“مرّة في حيينا، زارنا فيل لطيف…برفقٍ قال لنا: ليس هنالك ما يخيف…”
المحتويات
- من هو الطفل الداخلي؟
- الطفل الداخلي يعيش في أعماق كلّ واحد منّا
- كيف تتعرف على الطفل الداخلي في أعماقك؟
- الطفل بداخلك يحاول التواصل معك على الدوام
- علامات جرح الطفل الداخلي Inner Child Wounds
- 1- تدني تقدير الذات والشعور غير المبرر بالذنب
- 2- الخوف من الهجر Fear of Abandonment
- 3- الخوف من التعبير عن رأيك
- 4- الخوف من التعبير عن مشاعرك وإدارتها
- 5- مشاكل حقيقية في الثقة بالنفس وبالآخرين
- 6- السعي لإسعاد الآخرين وصعوبة وضع حدود شخصية
- اختبار الطفل الداخلي
“لو سرقت منا الأيام…قلبًا معطاءً بسّام…لن نستسلم للآلام…”
“في يوم همست في أذني…من يمسح عنّي حزني، يرجعني خضراء اللون…أعشاشًا للأطيار…”
لو كنت من جيل التسعينات أو أواخر الثمانينات، فسوف تُعيد إليك العبارات السابقة ذكريات دافئة وجميلة جدًا من أيّام الطفولة السعيدة. فمن من أطفال ذلك الجيل لا يعرف “بابار” الفيل الظريف، أو سامي ووسيم، الأخوان اليتيمان، أو ماري التي أعادت إحياء الحديقة السريّة.
ومن منهم نسي كلمات شارات تلك المسلسلات الكرتونية التي كبرنا معها وغرست فينا القيم الجميلة والأخلاق النبيلة السامية…
كثيرًا ما يراودني الحنين لسماع تلك الأغنيات.فأبحث عنها على يوتيوب، وأستمع لها وأنا أقرأ التعليقات المكتوبة أسفل كلّ فيديو. أجد أنّ كلّ واحد من أولئك المعلّقين يستعيد ذكرى عن طفولته عند سماع تلك الشارات، فمنهم من يتذكّر أيامه في منزل جدّيه المحبّان، وآخر يروي كيف كان يهرول من مدرسته إلى المنزل لمشاهدة الحلقات، وأخرى تفتقد أيامها مع إخوتها الذين فرّقت بينهم ظروف الحياة وغيرها الكثير.
خلف كلّ تعليق قصّة مليئة بالحنين وحكاية يلفّها الاشتياق للماضي، وبرغم الاختلافات بين الذكريات، والتنوّع في جنسيات وبلدان كاتبي تلك التعليقات، أجمع الكلّ على رغبتهم في العودة إلى الطفولة… وعيش تلك الأيام مرّة أخرى…
أتعرف السبب وراء تلك المشاعر وذلك الحنين الدافئ الجميل؟
في الواقع، ذلك ليس سوى محاولة من الطفل الداخلي في أعماقك لأن يتواصل معك ويجدّد علاقته معك!
فما هو الطفل الداخلي؟ ما الذي يريده منك؟ وهل يعاني هذا الطفل بداخلك من أيّة صدمات أو آلام؟ هل يمكنك علاجه؟ وما الفائدة التي قد تجنيها من علاج الطفل الداخلي في أعماقك؟
هذه وأسئلة أخرى كثيرة غيرها سنُجيب عنها فيما سيأتي من سطور، فاستعدّ لتغوص في رحلة إلى أعماقك، وتلتقي بطفولتك من جديد!
اقرأ أيضًا: 14 طريقة للتخلص من الشعور بالوحدة
من هو الطفل الداخلي؟
الطفل الداخلي هو ذلك الجزء في أعماقنا الذي كان حاضرًا منذُ أن خُلقنا ونحن في بطون أمهاتنا، وظلّ موجودًا خلال كلّ السنوات اللاحقة مرورًا بجميع مراحل الطفولة التي تشمل: الرضيع، الصغير في سنته الثانية، مرحلة دخول الحضانة ثمّ المدرسة الابتدائية وصولاً إلى المرحلة الدراسية المتوسطة.
أمّا في علم النفس الشعبي والتحليل، فمفهوم الطفل الداخلي أو الـ Inner Child يُشير إلى الجانب الطفولي من شخصية الفرد. وينطوي على ما تعلّمه الشخص خلال مرحلة الطفولة التي تسبق المراهقة.
غالبًا ما يتمّ النظر إلى الطفل الداخلي على أنّه كيان مستقل جزئيًا عن شخصية الفرد، وهو تابع للعقل الواعي. كما يعبّر هذا المصطلح عن مفاهيم أخرى متشعبة وله تطبيقات متعددة في العلاج النفسي وجلسات الاستشارة النفسية. وقد تمّ تعميم مفهوم “الطفل الداخلي” وتقديمه للعامّة من خلال كتب جون برادشو وغيره من المؤلفين المتخصصين في علم النفس وتنمية الذات.
الطفل الداخلي يعيش في أعماق كلّ واحد منّا
لديك أيّها القارئ طفل داخلي، ولديّ أنا أيضًا طفل داخلي في أعماقي، وكلّ واحد منّا يملك جزءًا طفوليًا في أعماقه. الطفل الداخلي جزءٌ مهمّ من عقلك اللاواعي، وهو يتلقى الرسائل (من مشاعر وأفكار) من العالم الخارجي حتى قبل أن تتمكّن من استيعابها والتفاعل معها ذهنيًا أو عاطفيًا.
إنّه يحتفظ بالمشاعر، الذكريات والاعتقادات من الماضي، كما أنّه يمتلك آماله وأحلامه ورغباته الخاصّة للمستقبل. وحتى لو كنت تعتقد أنّك لا تملك هذا الجانب في شخصيتك، فالأرجح أنّك غير قادرٍ على ملاحظته أو التواصل معه، بيْدَ أنّه موجود هناك منذ ولادتك، وسيبقى موجودًا حتى الممات.
كيف تتعرف على الطفل الداخلي في أعماقك؟
وكونه حاضرًا على الدوام فذلك لا يعني أنّ الجميع قادرٌ على التعرّف على الطفل الداخلي لديهم. المواقف التالية ستساعدك على ذلك:
- الطفل الداخلي هو الذي يتذكّر رائحة جدّتك الحلوة عندما كانت تنحني نحوك لتحتضنك وهي ترسم على محيّاها إمارات الفخر الكبير حين أريتها أنّك تعلّمت ركوب الدراجة.
- إنّه نفسه الطفل الداخلي الذي شعر بقلبه يفيض سعادة وحبًّا عندما نظر إليه والده بعينان تلمعان سعادة حينما شارك لعبته المفضّلة مع صديقه أو قريبه.
- وهو الطفل الداخلي الذي يتذكّر شعورك بالفرح والاعتزاز حينما يتمّ دعوتك للمرة الأولى إلى حفلة ميلاد صديقك في المدرسة.
- إنه يتذكّر أيضًا اليوم الأول له في المدرسة، ويتألم حينما يستعيد ذكرى أنّه قد تمّ تجاهله أو التنمرّ عليه في أيامه الأولى.
- الطفل الداخلي يتذكّر شعوره المؤلم بأنّه غبي حينما يسخر منه الأستاذ في الصفّ أو يوبّخه لأنه لم يعرف الإجابة عن سؤال “سهل وسخيف للغاية”!
- هذا الطفل الداخلي نفسه حاضر في اليوم الأول لك في وظيفتك الأولى التي تحاول فيها أن تثبت جدارتك وأنّك شخصٌ يعتمد عله.
- وهو الذي يشعر بالارتياح وبأنّ هناك من يفهمه حينما تتبادل أحاديث عميقة مع شخص مقرّب منك.
- وهو نفسه الذي يشعر بأنه قد تحطّم أو تمّت خيانته عندما تحسّ بالألم، التجاهل أو حين يكذب عليك أحدهم ويخونك.
باختصار، وفي كلّ مرّة تستعيد فيها ذكرى بعيدة من أيام الطفولة، أو موقفًا لا يمكنك نسيانه (سعيدًا كان أو حزينًا أو حتى مخيفًا)، فتلك في الواقع مشاعر الطفل الداخلي في أعماقك.
الطفل بداخلك يحاول التواصل معك على الدوام
حتى وإن كنّا غير قادرين على التعرف على الطفل بداخلنا، فإنّه مع ذلك يحاول التواصل معنا على الدوام… وما علينا سوى أن نتعلّم الإنصات إليه.
يمكن للطفل الداخلي أن يكون هادئًا ومكتفيًا (في غالب الأحيان)، أو يسعُه في أحيانٍ أخرى أن يتحرّك ويُثير المتاعب إن صحّ القول، فيقفُ نتيجة لذلك في وجه بناء علاقات صحيّة أو عيش حياة هادئة.
إن كنت تشعر بالإحباط، أو بأنّك عالق في جانب من جوانب حياتك، فذلك يعني على الأرجح أن الطفل بداخلك يحتاج إلى بعض الاهتمام. قد تظهر هذه الجوانب العالقة في شكل صعوبات وتحدّيات في عملك. أو في العثور على الحبّ والإبقاء على العلاقات، أو في وضع حدود خاصّة بك والالتزام بها.
هذه إحدى طرق تواصل الطفل الداخلي معك، لكنها ليست الوحيدة…
عندما تلحظُ أنّك تشعر بالخوف، أو القلق. أو حين تجدُ نفسك شخصًا يميل إلى المثالية أو ربما حين تبدأ بتجنّب أشخاص وأماكن معيّنة. فتلك جميعها طرقٌ أخرى يحاول الطفل بداخلك أن يتواصل معك من خلالها ويشعر بالأمان عن طريقها. وهذا ما يُطلق عليه “جروح وآلام الطفل الداخلي” أو الـ “Inner Child Wounds” باللغة الإنجليزية.
جميع هذه الجروح والآلام تعود أسبابها إلى حادثة أو موقف حصل معك خلال الطفولة، موقف ربما نسيته، أو لعلّك تتذكره لكنك لا تعلم أنّه قد ترك فيك أثرًا استمرّ تأثيره عليك حتى يومنا هذا.
إنّ آلام الطفولة العاطفية ستجعلك تشعر بأنك تمضي في الحياة وعلى كاهلك جبال من الهموم والمصاعب والمشاقّ، ولن تعلم سبب هذا الشعور إن لم تكن واعيًا بأنها قد تعود إلى أنّ الطفل الداخلي في أعماقك جريح ومُصاب!
اقرأ المزيد: لماذا نعاني من الانفصال عن العالم الخارجي
علامات جرح الطفل الداخلي Inner Child Wounds
إليك فيما يلي 6 علامات تُشير إلى أنّ الطفل بداخلك يعاني من جرح (أو عقد وآلام نفسية) تستدعي علاجها وشفاءَها كي تتمكّن من عيش حياة أفضل.
1- تدني تقدير الذات والشعور غير المبرر بالذنب
هل اعتاد والداك على إلقاء اللوم عليك، أو كنت تشعر بالكثير من تأنيب الضمير وأنت طفل صغير؟
حينما يجعل البالغون (من آباء وأولياء أمر) الأطفال يشعرون بأنّهم يتحمّلون مسؤولية أشياء خارجة عن سيطرتهم، فذلك قد يجعلهم يحسّون بمشاعر الذنب غير المبررة حتى عندما يكبرون.
عندما ترتكب خطئًا، فمن الطبيعي أن تشعر بالذنب وتأنيب الضمير. لكن… حينما لا يتوافق شعورك هذا مع أيّ من الظروف المحيطة بك، بمعنى أنّه لا مبرّر له (لأنك لم ترتكب خطئًا أو تقترف ذنبًا)، فذلك يُشير في الغالب إلى إصابة طفلك الداخلي بجراح، وبأنك قد تربيّت في طفولتك على الشعور بالذنب لكنك لم تُشفَ من هذه العقدة النفسية.
أو ربما تعاني من تدني تقدير الذات؟
ينبثق تدني تقدير الذات من عدم معرفة الشخص لنفسه وقيمته. إن كنت تعاني من تدني تقدير الذات، فأنت غير متأكّد من جوانب قوّتك ونواحي ضعفك. وبالمثل فأنت لا تؤمن بقدراتك، بل وتنتقد نفسك في كثير من الأحيان لكونك أقلّ من الآخرين.
الأمر لا يتوقّف عند هذا الحدّ، فقد تجدُ نفسك تعاني من اضطرابات الأكل، أو مشاكل في تقبّل مظهرك الخارجي، وغيرها من المشكلات المماثلة.
جميع هذه الأعراض تُشير إلى أنّ الطفل الداخلي في أعماقك يعاني من آلام وجراح ولا بدّ من علاجه.
2- الخوف من الهجر Fear of Abandonment
إننا ندفن آلام الطفولة في أعماقنا ونحملها معنا إلى مرحلة البلوغ والرشد، سواءً رغبنا في ذلك أم لم نرغب. بل إننا في معظم الأحيان لا نعلم أنّنا نحمل هذا العبء معنا!
هل تستمرّ بالتفكير في الخلافات لوقت طويل حتى بعد انتهائها؟ هل تتحسّر كثيرًا على الأمور السيئة التي حصلت معك، على الرغم من علمك بأنّك ستكون أكثر سعادة إن تقبّلت الواقع وتركت ما حصل يمضي؟
أو ربما تجد نفسك متعلّقًا جدًا بالأشياء والأشخاص حتى عند انتهاء علاقتك معهم؟ في نظرك التعلّق والتمسّك بهؤلاء الأشخاص (أو الأشياء) أكثر أمانًا من تقبّل الواقع؟
إن كنت تجد نفسك تجيب بـ “نعم” على الأسئلة السابقة، فتلك إشارة قويّة إلى أنّك تحمل آلامًا من الطفولة.
هل تشعر بالقلق عادة من أنّ الأشخاص حولك سيتخلّون عنك في نهاية المطاف؟ وهل يراودك الإحساس بأنّك لا تستحق الحب؟
وإن كنت تفعل، فلعلّك تدفع الناس بعيدًا عنك دون وعيٍ منك، ذلك لأنه مهما قدّم لك الطرف الآخر، فلن تقتنع أنّ ما يفعله حقيقي وأنّه جادّ في علاقته معك سواءً كانت علاقة عاطفية أو صداقة أو غيرها.
إنّك تفضّل أن تكون وحيدًا على أن يتمّ التخلّي عنك، وهذه الفوبيا والخوف من الهجران واحدة من أكثر أنواع الخوف تدميرًا.
تصرّفاتنا في الوقت الحاضر وسلوكنا في علاقاتنا ما هو إلاّ نتيجة لنظريات وقناعات غُرست في داخلك خلال مرحلة الطفولة، ولا زال الطفل الداخلي في أعماقك محتفظًا بها.
3- الخوف من التعبير عن رأيك
إن عدت إلى الوراء إلى أيام طفولتك، فلربما كنت شخصًا خجولاً هادئًا قليل الكلام. وربما كنت تشعر بأنّك غير قادر على التعبير عن رأيك بحريّة دون أن تتعرّض لإلقاء الأحكام أو ربما التجاهل التامّ.
قد يحدث ذلك لمعظم الأطفال. في الماضي كانت التربية المتسلطة شائعة للغاية، فكان للأبوان سلطة كاملة على أطفالهم، وهما من كانا يقرّران كيفية سير حياة الأبناء.
نتيجةُ هذا الأسلوب التربوي ربما لم تظهر في أيام الطفولة، لكن…مع مرور السنوات، قد تجد نفسك كبرت وأنت خائف من التخطيط لحياتك أو التعبير عن رأيك. طفلك الداخلي كان متشوّقًا لاكتشاف العالم ومدّ جناحيه ولكنّه قوبل بالقمع فانتابه الخوف وتعرّض للألم خلال هذه العملية.
وهكذا، كبرت وكبر الجرح الداخلي معك، فأصبحت غير قادر على التحكّم في حياتك، وتواجه صعوبة في رسم الحدود الخاصّة بك… بل إنك قد لا تقدر على مواجهة من يخترقون مساحتك الخاصّة، وحلّك الوحيد هو أن تبتعد عنهم وتقطع علاقتك معهم نهائيًا حتى وإن كانت نيّتهم حسنة، أو حتى لو لم يتقصّدوا إيذاءك.
إنّك تدرك تمامًا أنّ هذا الأمر ليس حلاًّ، ولكن تلك هي طريقتك الوحيدة لتحمي نفسك عندما تتعرّض لاعتداء نفسي أو عاطفي.
4- الخوف من التعبير عن مشاعرك وإدارتها
ينتاب الجميع مشاعر الحزن، الغضب، السعادة، الخوف وغيرها. البعض يعبّر عن هذه المشاعر في حين قد يحسّ البعض الآخر بالخجل من التعبير عنها.
الخجل هو بلا شكّ من المشاعر التي اختبرناها جميعًا خلال طفولتنا، لكن ما يجهله الكثيرون هو أنّ مشاعر الخجل والإحساس بالعار هي من أكثر المشاعر سُميّة بالنسبة للأطفال.
لماذا؟
لأنها قد تجعل الطفل يكره نفسه ويحمّل نفسه ذنبًا ربما لم يكن له فيه يد.
حينما يتمّ التخلي عن الطفل عاطفيًا أو حتى جسديًا، أو عندما يتجاهله الوالدان أو يتعرّض للعنف، فإنه وبتفكيره البريء سيعتقد أنّ الخطأ خطأه وأنّه لابدّ قد اقترف ذنبًا ما حتى تعرّض لهذه المعاملة في المقابل.
وسيكبر هذا الجرح ويرافق الطفل إلى مراحل عمره المتقدّمة ليصبح شخصًا بالغًا يخشى التعبير عن مشاعره الطبيعية من خوف أو غضب أو حتى فرح وحبّ، بل ويفشل في إدارتها والتحكّم بها، لأن كبت المشاعر سيؤدي بالتالي إلى انفجارها في وقت قد لا يكون مناسبًا.
هذا الأمر بدوره سيجعله يشعر بمزيد من الخجل والعار وسيكبت مشاعره مرّة أخرى لتنفجر لاحقًا، وتستمرّ الحلقة المفرغة المؤلمة إلى ما لا نهاية.
5- مشاكل حقيقية في الثقة بالنفس وبالآخرين
هل تعلم أن تدني الثقة بالنفس وبالآخرين ما هي إلاّ استراتيجية دفاع عن النفس؟!
أجل كما قرأت تمامًا…
عندما تتعرّض للخذلان أو الخيبات كطفل صغير، سيحاول الإيجو في داخلك حمايتك من تكرار هذا الألم، ومن الدخول في دوامة التوقع من الآخرين التي قد تنتهي بالخذلان والخيبة. فتبدأ ثقتك بالآخرين في التراجع، يرافقها تدني ثقتك بنفسك أيضًا.
قد تقول الآن: “لكني لم أتعرض للخيبات والخذلان في طفولتي!”
في الواقع تلك ليست الأسباب الوحيدة التي قد تُفقدك الثقة بنفسك وبالآخرين…
في مرحلة الطفولة، سيكون لكلّ حدث أثر عظيم يمتدّ لسنوات في المستقبل مهما كان بسيطًا… أمرٌ بسيطٌ كمقارنةِ والديك لك بالطالب الأول في الصف سيجعلك تشعر بأنك غير جيّد بما فيه الكفاية. أو حتى مقارنات العائلة بين الإخوة في العائلة الواحدة…
جميعها سترسّخ في داخلك فكرة واحدة: “أنت لست جيّدًا بما يكفي”، وستكبر مع هذه الفكرة لتصبح معتقدًا تؤمن به وينعكس عليك في جميع جوانب حياتك ويحرمك من الوصول إلى النجاح الذي تريده.
كلّ هذا يا عزيزي ما هو سوى جرح يعاني منه الطفل في داخلك.
6- السعي لإسعاد الآخرين وصعوبة وضع حدود شخصية
أن تكون “ولدًا جيّدًا” أو “بنتًا جيدة” هو بالتأكيد أمرٌ محبّب للكبار والصغار على حدّ السواء…
من منّا لم يشعر بالسعادة والفخر حينما قيل له وهو صغير بأنه “طفل مؤدب” أو “طفل جيد” أو غيرها من المرادفات…
هذا الأمر ليس سيئًا بالطبع. لكن حينما يتحوّل هذا المديح إلى سبب يجعل الطفل يتخلّى عن رغباته واهتماماته من أجل أن يُرضي والديه أو أولئك الذين يهتمّ بأمرهم، فسوف يتحوّل الأمر إلى عقدة نفسية وجرح يكبر مع الطفل إلى أن يصبح شابًّا.
مشاعر إرضاء الآخرين هذه ستتطوّر مع التقدّم في العمر، لتتحوّل إلى عادات غير صحيّة لإسعاد الغير على حساب الراحة والسعادة الشخصية.
هل تجد صعوبة في الرفض؟ هل تسعى دومًا لأن تكون جيّدًا في نظر الآخرين وتحاول دومًا الحفاظ على علاقة جيدة معهم؟ حتى وإن كلّفك ذلك سعادتك الخاصّة؟
إن كانت إجابتك بـ “نعم” فمن المحتمل أنّك حملت هذا الطبع معك من الطفولة. ومن المرجّح أن الطفل بداخلك ربّما يعاني من ألم وجرح يحتاج إلى العناية والعلاج.
اختبار الطفل الداخلي
بالإضافة إلى الإشارات السابقة التي قد تدلّ على أنّ الطفل الداخلي يعاني من آلام أو صدمات لابدّ من علاجها. فالاختبار التالي يمكّنك أيضًا من تحديد ما إذا كان طفلك الداخلي بخير أم أنّه يعاني من جراح معيّنة.
أجب عن الجمل التالية بـ “نعم” أو “لا”. وكلّما كانت إجاباتك بـ “نعم” أكثر، ازدادت احتمالية أنّ الطفل الداخلي في أعماقك بحاجة إلى التعافي.
- تشعر في أعماقك بأنّ شيئًا ما ليس على ما يرام في شخصيتك؟
- تمتلك مشكلات ترتبط بالثقة بالآخرين، أو تجدُ صعوبة في بناء علاقات ناجحة مع الغير؟
- تعاني من القلق الاجتماعي “Social Anxiety” أو من الخوف من الآخرين وتحاول الابتعاد عنهم؟
- تشعر بالكثير من القلق عند التفكير في تجربة أمرٍ جديد، أو عندما يحدثُ تغيير ما في حياتك؟
- تتعلّق بالأشخاص من حولك، وتتمسّك بهم حتى وإن أدّى ذلك إلى إيذاء نفسك واحترامك لذاتك؟
- تجد صعوبة في قول “لا” وتحاول دائمًا إرضاء الجميع من حولك؟
- تعيش في حنين دائم للماضي؟
- تشعر بالخجل من إظهار مشاعرك الحقيقية كالحزن أو الغضب؟
- لديك رغبات دفينة تسعى جاهدًا لتحقيقها لكنّك تفشل في كلّ مرة؟
- تشعر بأنّك غير جيّد بما فيه الكفاية في حياتك. وتنتقد نفسك على الدوام لأنّك لست جيّدًا كما يُفترض بك أن تكون؟
هذه القائمة ليست شاملة، لكنها بلا شكّ تقدّم بعض الإشارات إلى أنّ الطفل الداخلي في أعماقك يعاني. وهو يحاول أن يتواصل معك ويخبرك بأمرٍ ما.
اقرأ أيضًا: لماذا أشعر بأني لا أستحق الحب
من الجدير بالذكر أنّ الطفل الداخلي لا يتلاشى أو يختفي مع التقدّم في السنّ، بل العكس من ذلك…
إنه يبقى حاضرًا على الدوام ليذكّرك بكلّ الصدمات والآلام أو الجراح التي مرّ بها في الطفولة ويحتاج إلى التعافي منها.
حتى تتمكّن من علاج الطفل الداخلي، لابدّ في بادئ الأمر أن تعترف بوجوده وتتقبّله. والأهم من ذلك أن تتقبّل فكرة مواجهة الألم والمُضي في طريق التشافي على الرغم من صعوبته. ابدأ اليوم بالإنصات إلى الطفل بداخلك، وامنحه فسحة ليعبّر عن ذاته، فقد يدهشك ما سيقوله لك!
المصادر: The easy wisdom، integrativepsych