قصة قصيرة جديدة، ومن منّا لا يحبّ القصص القصيرة الملهمة؟! فكثيرون منّا قد تربوا على سماع هذه القصص من آبائنا وأجدادنا، أو اعتادوا على قراءتها في الطفولة، والاستفادة ممّا جاء فيها من عبر وتحفيز.
وبالنسبة لعدد منّا، تحمل هذه القصص القصيرة في طيّاتها الكثير من عبق الطفولة، وتشعل فينا الحنين لماضٍ لا يزال حيًّا في أعماقنا، فضلاً عمّا كانت ولا زالت تقدّمه لنا من دروس وعبر وما غرسته فينا من قيم وأخلاق.
واليوم بعد أن كبرنا، ومرّت السنون، وشغلتنا الحياة عن الطفل في أعماقنا، قد نلتقي مجدّدًا بإحدى قصص الطفولة القصيرة، أو حتى قصص قصيرة لم يسبق لنا قراءتها، فنُقبل عليها، ونقرؤها مجدّدًا فنتعلّم منها دروسًا جديدة ربّما لم تكن خبرات الطفولة حينها قادرة على إدراكها.
ولهذا السبب بالذات، أشارك معكم بعض القصص القصيرة التي مررتُ بها خلال السنوات، ونظرتُ إليها بمنظور جديد يتلاءم مع حاضري الآن، فأرجو أن تنال إعجابك عزيزي القارئ، وترى فيها من الفائدة ما أراه.
قصة قصيرة ملهمة – التقييم الذاتي
في صباح أحد أيام الشتاء الجميلة وصل صبي صغير إلى متجر بقالة به كشك هاتف. وهناك تلفّت يمنة ويسرة باحثًا عن شيء ما يستطيع الوقوف عليه إلى أن رأى علبة صودا. فاقترب منها وسحبها إلى حيث كابينة الهاتف، وصعد فوقها حتى يتمكّن من الوصول إلى أزرار الهاتف ليُجري اتصالاً بدا أنّه على درجة عالية من الأهمية.
جذبت تصرّفات الصبي الصغير اهتمام البائعة في المتجر، فراحت تراقب هذا الأخير بفضول وهي تنصت إلى مكالمته، وما هي إلاّ لحظات حتّى فتح الخطّ، وبادر الصبي بالقول بعد التحية:
“سيّدتي، إني صبي فقير وبحاجة إلى المال، فهل يمكنك منحي عملاً لجزّ العشب في حديقتك؟”
“آسفة ياصغيري، لكن لديّ بالفعل شخصٌ يقوم بهذه المهمّة.”
جاء صوت السيدة في الجهة الأخرى من الخطّ.
“سيّدتي، أرجوك…سأجزّ العشب بنصف السعر الذي يأخذه منك ذلك الشخص الآن.”
“أنا راضية للغاية بعمل الشخص الذي وظّفته، فهو يقوم بعمل جيّد وبسعر مناسب.”
وأردف الطفل من جديد بإصرار أكبر هذه المرّة:
“سأقوم بكنس مدخل المنزل أيضًا، وتقليم الأشجار لأمنحك أجمل حديقة في الحيّ.”
ومن جديد رفضت السيدة طلبه شاكرة إيّاه على عرضه السخّي.
أغلق الصبي الخطّ أخيرًا، وعلى محيّاه ارتسمت ابتسامة غريبة. وكانت مالكة المحل قد سمعت الحوار بأكمله، فاقتربت من الصبي الصغير مشفقة عليه، وقالت:
“صغيري، لقد أعجبني إصرارك ومثابرتك، وأودّ أن أقدم لك عملاً في محلّي، فما رأيك؟”
“شكرًا لك يا سيّدتي على هذا العرض، لكني لستُ بحاجة إليه!”
ارتسمت علامات الاستغراب والدهشة على البائعة الطيبة، وردّت قائلة:
“ولكنك كنت ترجو المرأة على الجانب الآخر من الهاتف أن تمنحك عملاً في حديقتها!”
فجاء جواب الصغير:
“كلاّ يا سيّدتي، لقد كنتُ أتفقد أدائي في عملي الحالي وحسب! فأنا هو الشخص الذي يعمل عندها وقد أردتُ أن أعرف رأيها الحقيقي في عملي!”
العبرة من قصة المكالمة الهاتفية الغريبة
هذا بالضبط ما يُسمى بالتقييم الذاتي…. في الواقع هو تقييم ذاتي استباقي!
تعلمنا هذه القصة القصيرة وإن لم تكن حقيقية مدى أهمية البحث عن التغذية الراجعة في كلّ جانب من جوانب حياتنا، والاستماع إليها حقًا، والعمل على تحسين وتطوير أنفسنا بناءً عليها.
يُساعدك النقد البنّاء على التطوير من نفسك، واتخاذ الاجراءات التصحيحية المناسبة قبل فوات الأوان.
أيًّا كان ما تفعله أو ما تقوم به في حياتك على المستوى الشخصي أو المهني، احرص دومًا على الاستماع إلى ما يقوله الآخرون عنك… لا يعني ذلك بالطبع أن تستمع لكلّ شخص، فالبعض قد يتقصّد إحباطك ويهاجمك بانتقادات لا أساس لها من الصحة. لكن، اسأل البعض ممن تثق بهم أو من الخبراء في المجال…
اسمع منهم المزيد حول الجوانب الإيجابية فيما تفعله، واسألهم عن اقتراحاتهم لتحسين وتطوير ما تقوم به. استفد ممّا يقولونه لك، وطبّق ما تراه مناسبًا لتحقق المزيد من التقدّم.
التواضع سمة مهمّة للنجاح، فإن لم تكن متواضعًا بما يكفي لتستمع إلى الآخرين، سينتهي بك المطاف على الأرجح وحيدًا على هضبة صغيرة تعتقد أنّها القمّة، فيما يتقدّم عليك الآخرون ولا تراهم أمامك!