مهما تقدّم بنا العمر، ستبقى القصص على الدوام مصدرًا للإلهام نستخلص منها العبر ونتعلّم الدروس. حتى وإن كانت هذه القصص محض خيالٍ من بنات أفكارنا.
منذ نعومة أظفاري كانت القصص القصيرة والطويلة منها رفيقة لي في كلّ الأوقات. تساعدني للسفر إلى عوالم بعيدة، وتغذّي مخيّلتي بالكثير من الأحداث والمغامرات. ولعلّ القراءة والمطالعة هي ما حفّزني وأيقظ في داخلي الرغبة في الكتابة والتأليف.
أشارك معكم اليوم القصّة الأولى ضمن سلسلة قصص قصيرة ملهمة بعنوان “نجمة البحر”. هي ليست قصّة من تأليفي، لكني قرأتها يومًا على أحد المواقع الأجنبية، ورأيت فيها من العبرة ما يستحقّ أن يُترجم إلى العربية ويُقرأ من أكبر عدد ممكن.
هي ليست مجرّد قصّة أطفال، ولكنها حكاية حول الأمل، المثابرة، والأهم من ذلك حول التغيير… التغيير الذي يجب أن نكونه إن أردنا تغيير العالم من حولنا.
لربما سبق لك أن قرأت هذه القصّة سابقًا، لكنّ لا ضير من قراءتها مجدّدًا، وإن كنت تمرّ بيوم صعب، وتشعر بأنّ كلّ ما تقوم به بلا نفع، فأنت تحتاج بلا شكّ إلى دفعة من الإيجابية، وهو ما ستجده حتمًا عند انتهائك من قراءة هذه القصّة القصيرة.
قصة قصيرة ملهمة – نجمة البحر
يُحكى أنّ رجلاً متقدّمًا في السنّ اعتاد على الذهاب إلى الشاطئ كلّ صباح لينعم ببعض الهواء النقي، ويستلهم أفكارًا جديدة لكتاباته.
وكان في كلّ يوم، يقضي عدّة دقائق يتأمل أمواج البحر تتكسّر على الرمال، أو يتمشّى قليلاً قبل أن يتنقي مكانًا يجلس فيه ويبدأ عمله في الكتابة.
في إحدى الصباحات، ذهب إلى الشاطئ كما هي عادته، ففوجئ بمنظر غريب عجيب…
كان الساحل بأكمله مغطّى بمئات، بل ربّما الآلاف من نجوم البحر التي ألقى بها الموج إلى الرمال…نجوم بحر بكلّ الألوان والأشكال والأحجام مترامية على مدى كيلومترات على الساحل.
وهناك في البعيد، بدا للرجل العجوز فتاة صغيرة تسير نحوه بخطى متأنية، وكانت تقف من حين لآخر أثناء سيرها، فتنحني إلى الأرض لتلتقط شيئًا ثم تقف من جديد وتلقي به في الماء قبل أن تواصل المسير لتعاود الكرّة بعد بضعة خطوات.
وهكذا إلى أن اقتربت الفتاة أكثر فأكثر ووصلت إلى حيث كان يقف، فبادرها بالتحية قائلا:
– صباحك سعيد يا صغيرتي!
– صباح الخير سيّدي…
– هل لي ان أسألك ما الذي تفعلينه؟
فصمتت الفتاة برهة قبل أن تجيب:
– إنني ألقي بنجوم البحر في الماء.
ثمّ واصل ما كانت تفعله بصمت، تنحني إلى الرمال، فتلتقط نجمة من نجوم البحر وتلقي بها في الماء لتجرفها الأمواج إلى الأعماق.
– ولماذا تفعلين ذلك؟
سأل العجوز من جديد، وجاء جواب الصغيرة:
– لقد ألقى المدّ بهذه النجوم إلى الشاطئ، ولا يمكنها العودة بمفردها. ستموت بمجرّد أن ترتفع الشمس في السماء، لذا عليّ إنقاذها وإعادتها إلى الماء.
– ولكن… هنالك المئات، بل ربّما الآلاف منها هنا؟ لا أعتقد أنّه باستطاعتك إعادتها كلّها إلى الماء قبل حلول الظهيرة. لن تُحدثي فرقًا بما تفعلينه يا صغيرتي…
لم تقل الفتاة شيئًا، بل واصلت ما كانت تفعله. انحنت من جديد، التقطت نجمة بحر ملونة، وألقتها في الماء، ثم نظرت إلى العجوز وابتسامة لطيفة ترتسم على محيّاها:
– لكني أحدثتُ فرقًا بالنسبة لنجمة البحر تلك!
وأشارت بيدها إلى النجمة التي ألقتها في الماء قبل لحظات، وهي تنجرف مع الأمواج عائدة إلى عرض البحر…
العبرة من القصة
نحظى جميعنا خلال حياتنا بالعديد من الفرص لإحداث تغيير إيجابي في العالم من حولنا. لكنّنا عادة ما نؤجل القيام به، أو نتكاسل عنه بحجّة أنّ ما سنفعله لن يكون ذا نفع، مردّدين جملاً مثل:
“وما الفرق الذي سأحدثه بمفردي؟”. أو “ما الذي قد تغيّره مساهمتي البسيطة؟” أو مثيلاتها من العبارات المحبطة التي تمنعنا في النهاية عن القيام بهذه الأمر.
صحيح أنّك قد لا تستطيع تغيير العالم بأكمله بمفرده، لكنك بلا شكّ تستطيع أن تحدث فرقًا… فرق قد لا يبدو ذا أهمية في البداية. ولكنه قد يكون الشرارة التي توقد نار التغيير، والنسمة التي تجذب رياح التجديد!
ببساطة ابدأ بما تستطيع، ابدأ التغيير بما لديك من إمكانيات ولا تبالي بما سيحدثه ذلك من فرق… المهم أنك تحاول ويكفيك شرف المحاولة.
أمرٌ آخر تعلّمنا إياه هذه القصة القصيرة الملهمة، ألا وهو الاحتفاظ بالأمل… تعلّم ألاّ تفقد الأمل أبدًا، أن تؤمن على الدوام بأن القادم أحلى وأجمل. وأن تستمر في المحاولة دون استسلام سعيًا لتحقيق التغيير الإيجابي الذي تتمناه في نفسك أو في العالم.
أيًّا كان ما تفعله الآن، ومهما بدا لك أنّ ما تفعله هو بلا أيّ نفع ولا طائل منه، فلا تستسلم… لأنّ الجهود الصغيرة المستمرة هي ما سيحقّق التغيير حقًا.
تصفح المزيد من القصص القصيرة على مدونة أفكار دافئة