يُعرف عن أصحاب الشخصية الانطوائية أنّهم كثيرو التفكير، وغالبًا ما يقود التفكير الزائد إلى الشعور بالتوتر والقلق اللذان يتراكمان بدورهما يومًا بعد يوم ليتحوّلا فيما بعد إلى مشاعر عدم تقبّل الذات بل وكره الذات أيضًا.
المحتويات
يعاني الكثير من الانطوائيين من هذه المشاعر، ويجهلون في كثير من الأحيان كيفية تقبّل أنفسهم وحبّ ذواتهم، الأمر الذي يؤدي إلى تعاظم شعورهم بالوحدة والانعزال عن العالم الخارجي من حولهم.
ماذا يعني أن تكون انطوائي؟
الانطوائية في الحقيقة أعقدُ بكثير ممّا تتوقع. أن تكون صاحب شخصية انطوائية يعني أنّك تحت ضغط دائم من المجتمع حولك ومن نفسك أيضًا!
تشعرُ في معظم الأحيان أنّك حبيس أفكارك، ولا أحد قادر على فهمِ من تكون حقًا. وتحسّ دائمًا بأنّك مختلف عن الآخرين من حولك.
في أحيان أخرى قد تشعر بأنك وحيد في عالمك، وتجدُ صعوبة في تقبّل وحبّ نفسك، وذلك بسبب ضغوط المجتمع الذي يطالبك بأن تكون اجتماعيًا وبأن تتوافق مع تفضيلاته وميله للشخصيات المنفتحة الاجتماعية.
فكيف تحب نفسك كشخص انطوائي إذن؟
سؤال قد يخطر ببال الكثير من أصحاب الشخصية الانطوائية: كيف أحبّ نفسي؟ كيف أتقبل ذاتي؟ كيف أتصالح مع نفسي؟… وغيرها الكثير من التساؤلات المشابهة.
الأمر ليس سهلاً، ولن يتمّ بين ليلة وضحاها، لكن مع زيادة وعيك بذاتك، ومثابرتك على سبر أغوار نفسك وفهم مشاعرك بصورة أفضل، ستتمكّن تدريجيًا من تقبّل نفسك كما أنت، والتصالح مع شخصيتك بكلّ جوانبها السلبية والإيجابية.
وفيما يلي بعض النصائح التي ستساعدك على أن تحب نفسك كشخص انطوائي:
1- اعرف نفسك واكتشف أعماقك
معرفة نفسك هي الخطوة الأولى كي تحب نفسك كشخص انطوائي.
يتقبّل الانطوائيون في غالب الأحيان الصفات السلبية التي تُنسب إليهم، وذلك لأنهم يجهلون حقيقة شخصياتهم وأنفسهم.
كي تحب نفسك كشخص انطوائي، عليك أن تدرك بأنك لست خجولاً، ولا مغرورًا، وأنّك لا تفتقر إلى المهارات الاجتماعية، بل كلّ ما في الأمر أنّ شخصيتك كانطوائي لها سماتها الخاصّة التي لا تحبّذ الانفتاح كثيرًا أو التواجد في أوساط مكتظّة.
ابدأ بتجربة بعض اختبارات تحليل الشخصية التي تكشف لك بالضبط ما إذا كنت حقًا شخصًا انطوائيًا، واقرأ المزيد عن سمات الشخصية الانطوائية وصفاتها.
تذكّر… كما أنّ هنالك نقاط ضعف في هذا النوع من الشخصيّات، هنالك أيضًا جوانب قوّة، ومهمّتك أن تتعرّف عليها وتستغلّها لصالحك.
بمجرّد أن تعرف نفسك أكثر، وتتعمّق في فهم مشاعرك، ستبدأ تدريجيًا بالشعور بالارتياح والراحة مع سماتك الشخصية، وهذه أولى خطوات حبّ نفسك كشخص انطوائي.
“يعود الفضل في كلّ ما حققته في حياتي إلى حقيقة أنّي أستمتع كثيرًا بوقتي وأنا وحدي!” – مارلين روبنسون
14 طريقة للتخلص من الشعور بالوحدة
2- لا تدع أفكار الآخرين عنك تضايقك
الخطوة التالية كي تحب نفسك كشخص انطوائي، هي ألاّ تسمح لأفكار وانطباعات الآخرين عنك بأن تزعجك. ممّا لا شكّ فيه أنّ الناس قد يتحدّثون عنك من وراء ظهرك، قد يبنون انطباعات خاطئة عنك، بل وقد يطلبون منك وينصحونك بشدّة لأن تكون أكثر انفتاحًا.
قد يكونون أكثر قسوة في بعض الأحيان، وربّما يقولون عبارات جارحة مثل:
- “لما لا تعيش كإنسان طبيعي؟ أو تفعل ما يفعله الأشخاص الطبيعيون؟!”
- “أنت غريب الأطوار حقًا”
- “لا تكن متوحّدًا”
وغيرها الكثير من العبارات التي قد تجعلك تكره نفسك وترفض ذاتك.
لا تنجرّ وراء هذه الجمل، ولا تتأثر بها، فأحد الأسباب التي تجعل الانطوائيين غير سعداء هي تركيزهم على آراء الآخرين، وحاجتهم الدائمة إلى التوكيدات الخارجية بأنهم أشخاص جيّدون.
هذا الأمر خاطئ بل ومدمّر أيضًا، عندما تركّز على إرضاء الغير وتلبية توقّعاتهم عنك، ستضطرّ في كثير من الأحيان إلى كبت مشاعرك وأفكارك، والتصرّف بطريقة مخالفة لما أنت عليه حقًا. بمعنى آخر ستتحول إلى ما يعرف بالـ “People Pleaser” أيّ الشخص الذي يُسلّي الآخرين على حساب نفسه أو مهرّج.
الفرق الوحيد هو أن المهرّج يفعل ما يفعله لوقت محدود، وبهدف الترفيه، في حين أنّك ستقوم بذلك على حساب نفسك واحتياجاتك وستفعله للأبد!
قد يكون من الصعب في البداية أن تسمع آراء الآخرين وتعليقاتهم دون أن تتأثّر بها، لكن شيئًا فشيئًا سيصبح الأمر أسهل، النصائح التالية قد تساعدك في هذا الشأن:
- ابتعد عن مثل هؤلاء الأشخاص وابحث عن أصدقاء آخرين يتفهمونك ويتقبلونك كما أنت.
- حاول أن تشرح لهؤلاء الأشخاص معنى أن تكون انطوائيًا وسمات الشخصية الانطوائية.
- ابنِ ثقتك بنفسك، فكّلما زادت ثقتك بنفسك قلّ اهتمامك بما يقوله الآخرون عنك.
“كن صادقًا مع نفسك ومع طبيعتك الخاصّة. إن كنت تحبّ القيام بالأمور على نحو بطيئ وثابت، فافعل ولا تدع الآخرين يُشعرونك بأنّك في سباق. إن كنت تستمتع بالعمق، فلا تجبر نفسك على أن تكون سطحيًا” – سوزان كين
3- لا تقارن نفسك بالآخرين
دعونا لا ننكر ذلك، كل شخص انطوائي لابدّ وأنّه فكّر في أحد الأيام وتمنّى لو يكون شخصًا اجتماعيًا منفتحًا. جميعنا تمنيّنا يومًا أن نكون ذوي شعبية في المدرسة أو الجامعة أو العمل، أن يكون لدينا الكثير من الأصدقاء، وأن نعبّر عن آرائنا وأفكارنا دون خجل أو خوف.
وجميعنا قمنا بمقارنة أنفسنا (كانطوائيين) مع الآخرين…لكن ما يجهله الكثيرون هو أن هذه المقارنة هي أسوأ ما يمكن أن تفعله لتنسف ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك.
أنت مختلف عن الآخرين، وليس في ذلك عيب أو ضرر، عليك أن ترى نفسك مميزًا وفريدًا. فما الفائدة من أن تكون كالآخرين؟
عندما تقارن نفسك بالغير، وتسعى لأن تكون مثلهم، ستفشل حتمًا، ومهما حاولت، لن تكون سوى نسخة واهية منهم….
كن فخورًا بشخصيّتك الانطوائية، وبكلّ الجهد الذي تبذله في سبيل النجاح والعيش في عالم لا يقدّم الكثير لمثل هذه الشخصيّات. وبدلاً من أن تقسو على نفسك وتلومها لأنها ليست كهذا الشخص أو ذاك، ركّز كلّ جهدك لان تطوّر من ذاتك وتصل إلى أفضل نسخة من نفسك.
“إحدى القواعد العامّة الرائعة في هذه الحياة هي أن أي بيئة تجعلك تشعر باستمرار بالسوء حيال هويتك ونفسك هي بيئة خاطئة.”- لوري هيلجوي
4- أشغل نفسك بالأمور التي توقد شغفك
يعتبر الانطوائيون من الشخصيات المُبدعة. إنهم يحبون القيام بالنشاطات التي توقد شغفهم. وهنا يكمن أحد أهمّ الأسرار التي تساعدك على أن تحب نفسك كشخص انطوائي…
ابحث عن كلّ ما يُسعدك ويجعلك تشعر بالحماس وقم به! قد يكون ذلك هواية أو رياضة أو عملاً أو حتى دراسة… من خلال ممارسة هذه النشاطات التي تحبّها، سيرتفع تقديرك لذاتك وتزداد ثقتك بنفسك تدريجيًا. الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف لأن تحبّ نفسك أكثر.
هذا يعني أنّه وبدلاً من قضاء وقتك مع أشخاص لا يفهمونك، أو في القيام بأعمال تشعرك بالسوء، ركّز أكثر على نشاطاتك الفردية مع نفسك، والتي تطوّر مهاراتك وقدراتك.
5- ابني علاقاتك مع أشخاص يفهمونك
النصيحة الأخيرة التي تساعدك كي تحب نفسك كشخص انطوائي هي أن تختار علاقاتك بذكاء.
لن يفهمك كلّ من حولك من أشخاص، وهذه حقيقة لا جدال فيها. إذ غالبًا ما يُساء فهم الانطوائيين وتُنسب إليهم صفات سيئة، بل قد يعتبر البعض أن الانطواء مرض نفسي لابدّ من علاجه!
لكن، ومن ناحية أخرى هنالك أشخاص يفهمون حقًا معنى أن تكون انطوائيًا، بل ويستمتعون بقضاء الوقت مع الانطوائيين…
قد يكون هؤلاء الأشخاص انطوائيين مثلك، أو حتى أشخاص اجتماعيون لكنهم يتفهّمون حاجتك لقضاء وقتك بمفردك أحيانًا، وميلك للتفكير في تجاربك الخاصّة ومشاركتها…
مثل هؤلاء الأشخاص لن يستنفذوا طاقتك، ولن تشعر معهم بأنك غريب أو مختلف، بل ولن تحسّ بالحاجة لأن تتغيّر أو تتظاهر كي تسعدهم.
هذا النوع من العلاقات صحّي، وهو في الواقع ما يجب أن تكون عليه جميع العلاقات الإنسانية، ليس فقط علاقات الانطوائيين. لذا احرص دومًا على أن تكون علاقاتك على هذا النحو. وابتعد عن أيّ صداقات أو علاقات سامّة تُشعرك بأنّك لست جيّدًا بما فيه الكفاية.
“لا تفكّر في الانطواء على أنّه مرضٌ يجب أن يُعالج، اقضِ وقتك كيفما تشاء، وبالطريقة التي تحبّ وليس كما تعتقد أنّه يجب عليك أن تفعل!” – سوزان كين
أن تكون انطوائيًا لا يعني أنّك كائن فضائي. والانطواء لا يعني بأيّ حال من الأحوال أنّك أقل لطفًا أو طيبة أو تسلية من الآخرين. الأمر ببساطة هو أنّك وُلدت في عالم يركّز اهتمامه على الانفتاح، ويرى في الشخصية الاجتماعية المثل الأعلى للفرد الناجح المتميّز.
ذلك ليس خطأك. ولا يعني أنّ عليك أن تتغيّر، بدلاً من ذلك، تقبّل نفسك، افهم سماتك الشخصية، والسبب وراء تصرّفك على نحو معيّن في المواقف المختلفة من حولك…
كلّما تعمّقت في نفسك أكثر، اكتشفت سمات فريدة ستكون سلاحك للتميّز والتفرّد في هذا العالم. حوّل الجوانب المميزة فيك (والتي يراها العالم كنقاط ضعف) إلى سلاح بيدك لتحقق أحلامك وطموحاتك، والأهم من ذلك، اجعلها وسيلتك كي تحب نفسك كشخص انطوائي.
اقرأ أيضًا: ما هو التفاؤل المزيف؟