في الوقت الذي يشيع فيه الاعتقاد بأنّ الشخصية الانطوائية ما هي إلاّ اضطراب نفسي يحتاج إلى تشخيص وعلاج بل وربّما مصّحة نفسية أيضًا، وجدتُ أنّه من المهمّ توضيح بعض الأمور حول هذا الأمر، فبصفتي شخصية انطوائية أنا أيضًا، لطالما عانيتُ من نظرة الآخرين لي وكأنني كائن فضائي غريب، فإن رفضتُ الخروج وحضور الفعاليات المكتظة والمزدحمة، أُطلق عليّ وصف “المعقّدة”، وإن شعرتُ بالتعب سريعًا بعد قضاء الكثير من الوقت في أماكن التجمّعات أُطلق عليّ صفات كالمدلّلة، أو العجوز الطاعنة في السنّ أو غيرها من سماتٍ ساخرة مستهزئة.
في هذا المقال
- 1- الهدوء لا يعني الخجل
- 2- الانطوائي ليس غاضبا ولا يعاني من الاكتئاب
- 3- نحن نُحسن الاستمتاع بوقتنا
- 4- الانطوائي ليس شخصًا فظًّا
- 5- الشخصية الانطوائية ليست غريبة الأطوار
- 6- إنّهم لا يريدون قضاء الوقت بمفردهم على الدوام
- 7- الانطواء لا يعني فوبيا الخلاء
- 8- الانطوائي ليس فاقدًا للثقة بالنفس
- 9- هم لا يكرهون الناس
- 10- وصف الانطوائي بالهدوء الشديد إهانة له
- 11- الشخصية الانطوائية ليست مرض
من الغريب حقًا أنّه وعلى الرغم من أنّ أصحاب الشخصية الانطوائية يشكّلون نسبة تتراوح ما بين الثلث والنصف من كافّة سكان الأرض، لكنّ العديد منهم يشكو من أنّه غالبًا ما يُساء فهمهم، وتقدير مشاعرهم وأفكارهم!
إن كنت شخصًا انطوائيًا فلعلّك ستجد تشابهًا كبيرًا بين ما يحصل لك وما سنذكره في هذا المقال، وإن لم تكن كذلك… حسنًا إنها فرصة لك كي تتعرّف قليلاً على الشخصية الانطوائية، لأننا جمعنا لك هنا 11 أمرًا مهمًّا يتمنى كلّ انطوائي أن تعرفه.
1- الهدوء لا يعني الخجل
كثيرًا ما يخلط الناس بين الخجل والهدوء، فيعتقدون أنّه ولمجرّد كون أحدهم هادئًا، فذلك يعني أنّه خجول.
من المهمّ بمكان أن تعي أنّ هنالك فرقًا كبيرًا بين الانطواء، الخجل والقلق الاجتماعي.
لا يعاني الانطوائي بالضرورة من الخجل، ولا يواجه صعوبة في التحدّث إلى الآخرين والتواصل معهم، على الرغم من أنّ بعض الانطوائيين يعانون بالفعل من الخجل الشديد أو القلق الاجتماعي الذي يؤثّّر على حياتهم ونشاطاتهم الطبيعية.
الأمر ببساطة هو أنّنا، أصحاب الشخصية الانطوائية أكثر تحفظًا، وتركيزًا على عالمنا الداخلي. إنّنا نفضّل عادة التعرّف على الأشخاص من حولنا بصورة أفضل قبل التحدّث إليهم والانخراط معهم في حوار.
ليس هذا وحسب، نحن في كثير من الأحيان نميل إلى التفكير قبل التحدّث، إننا لا نستمتع بالأحاديث الصغيرة الاعتيادية، ونفضّل الخوض في مواضيع عميقة تحثّنا على التفكّر والتدبّر في العالم من حولنا.
في المرة القادمة التي ترى فيها شخصًا هادئًا قليل الكلام، لا تحكم عليه مباشرة بأنه يعاني الخجل أو يخاف التحدّث إلى الآخرين. كلّ ما في الأمر أنّه ربما لم يعثر على شخص مناسب يشاركه أفكاره.
2- الانطوائي ليس غاضبا ولا يعاني من الاكتئاب
يحدُث أحيانًا أن يصاب أصحاب الشخصية الانطوائية بالإرهاق من كثرة الناس من حولهم، أو عند حضور التجمّعات المكتظّة، فيميلون نتيجة إلى ذلك لقضاء بعض الوقت بمفردهم لإعادة شحن طاقتهم.
ويخطئ الكثيرون في تفسير هذه الرغبة في الانفراد على أنّها مشاعر سلبية سيئة كالغضب والاكتئاب والقلق.
لعلّك – كشخص انطوائي – قد وجدت نفسك في موقف مشابه فيما مضى، حيث كان والداك أو أصدقاؤك يطلبون منك الخروج من عزلتك مستخدمين عبارات مثل: “دعك من هذا الاكتئاب واترك غرفتك الآن!”.
ربّما كنت حينها بحاجة لبعض الراحة وحسب، لكن يصعُب أحيانًا على أصحاب الشخصية الاجتماعية المنفتحة فهم حاجة الانطوائيين إلى العزلة والابتعاد عن الآخرين، وكثيرًا ما يتمّ تفسير هذا التصرّف على أنه فظّ وغير مقبول.
3- نحن نُحسن الاستمتاع بوقتنا

نعم، ربما لسنا نحنُ من يُسلّط عليه الضوء في الاحتفالات والتجمّعات الكبيرة، وقد لا يبدو علينا الحماس أو تُسمع لنا أصوات في مثل هذه المواقف، لكننا بلا أدنى شكّ نستمتع بوقتنا كغيرنا.
الكثير منّا نحن الانطوائيون نجدُ متعتنا في مراقبة ما يحدثُ من حولنا، وفي استيعاب كلّ هذه الحركة والألوان والأصوات…
نحنُ فضوليون، ونحبّ استكشاف العالم من حولنا، لذا، فإننا نميل للاستماع أكثر من التحدّث، والتجمّعات الكبيرة فرصة لنا لننهل الكثير من المعلومات الجديدة.
ليس هذا وحسب، نحنُ نحسن الاستمتاع بأوقاتنا واستغلالها في نشاطات نحبّها، كممارسة الهوايات أو الاسترخاء أو غيرها من الأمور التي يجدها البعض مملة، لكنها بالنسبة لنا مصدرٌ للسعادة وتجديد الطاقة.
4- الانطوائي ليس شخصًا فظًّا
اتفقنا إذن أنّ الأشخاص الانطوائيين غالبًا ما يتسمون بالهدوء والتحفّظ عند الالتقاء بهم، ومن الصعب معرفة ما يدور في رأسهم ممّا يجعل البعض يعتقد أنّ الانطوائي شخصٌ فظّ يجهل قواعد الإتيكيت والكياسة.
قبل أن تبادر بتفسير هذا التحفّظ على أنّه فظاظة وقلّة لباقة، خذ بعين الاعتبار اختلاف الشخصيات وتنوّع الأنماط الشخصية. من المهمّ بمكان أن تدرك بأنّ الشخص الانطوائي يحتاج إلى وقت أطول من الشخص العادي ليعرف الأشخاص من حوله بصورة أفضل قبل أن يحسّ بالارتياح ويعبّر عن أفكاره لهم.
5- الشخصية الانطوائية ليست غريبة الأطوار
إذ لا يمكن أن يكون نصف سكان العالم غريبي الأطوار!
بحسب الإحصائيات ما نسبته 30 إلى 50 بالمئة من سكّان العالم انطوائيون، وبالتالي فإنّ الشخصية الانطوائية ليست غريبة الأطوار أو عجيبة السمات!
كلّ ما في الأمر أن الانطوائيين بشكل عام يفضّلون اتباع اهتماماتهم الخاصّة بدلاً من التركيز على ما هو شائع ومتداول في المجتمع من حولهم.
6- إنّهم لا يريدون قضاء الوقت بمفردهم على الدوام

صحيح أنّ الانطوائيين قد يحتاجون إلى قضاء بعض الوقت بمفردهم لإعادة شحن طاقتهم، لكن ذلك لا يعني بأيّ شكل من الأشكال أنّهم يحبون البقاء منعزلين على الدوام.
على العكس من ذلك، إنّهم يتستمتعون بقضاء الوقت مع الأشخاص الذين يعرفونهم معرفة جيدة، ويفهمونهم تمامًا.
لكن حتى إنفاق الوقت مع الأصدقاء المقرّبين وأفراد العائلة قد يكون مرهقًا لهم في بعض الأحيان، وسيحتاجون بعدها إلى البقاء بمفردهم لبعض الوقت حتى يفسحوا المجال لأنفسهم لمراجعة أفكارهم والتدبّر فيها، والأهم من ذلك إعادة شحن طاقتهم التي أنفقوها خلال لقاءاتهم مع الآخرين.
7- الانطواء لا يعني فوبيا الخلاء
فقط لأنّ أصحاب الشخصية الانطوائية هادئون ويستمتعون بأوقات العزلة، فذلك لا يعني أنّهم يعانون من رُهاب الخلاء أو الـ Agoraphobia. ممّا لا شكّ فيه أنّ البعض انطوائي ويعاني الخوف من الأماكن العامة المزدحمة في الوقت ذاته، لكنّ لا يعدّ أيّ من الأمرين مؤشّرًا أو دليلاً على الآخر.
الكثير من الانطوائيين يصفون أنفسهم بأنّهم أشخاص “منزليّون”، بمعنى أنّهم يحبّون قضاء الوقت في المنزل، والاستمتاع بالنشاطات العائلية والهوايات المنزلية. غير أنّ هذا الأمر لا يعني أنّهم يخافون من الأماكن العامّة أو يصابون بالهلع عند التواجد فيها.
8- الانطوائي ليس فاقدًا للثقة بالنفس
نعم… كثيرون من يعتقدون بأنّ الانطوائيين يفتقدون للثقة بالنفس، أو أنّ تقديرهم لذواتهم متدنٍ، وأنّ هذا هو السبب وراء كونهم هادئين يتجنّبون التحدّث والاختلاط بالآخرين.
هذا الاعتقاد بالذات يزداد خطورة عند التعامل مع الأطفال الانطوائيين على وجه التحديد، حيث يتمّ الضغط عليهم من قبل آبائهم وأفراد عائلتهم البالغين ليكونوا أكثر انفتاحًا واختلاطًا بالغير، ظنًّا منهم أنّ هذه هي الطريقة لـ “إصلاحهم”، وعلاجهم من الخجل وقلّة الثقة بالنفس.
هذا أحدُ أهمّ الأمور التي يتمنّى كلّ انطوائي أن تعرفها عنه. الهدوء والانطواء لا يعني فقدان الثقة بالنفس أو تدني التقدير للذات…
لكن انتبه، الاستمرار بالضغط على الأطفال (وحتى الكبار أحيانًا) وتقديم الملاحظات لهم حول أنّ هنالك شيئًا خاطئًا في شخصيّتهم، قد يدمذر حقًا ثقتهم بأنفسهم ويدفعهم للتشكيك في قدراتهم الخاصّة.
9- هم لا يكرهون الناس
الأشخاص الانطوائيون ليسوا كارهين للبشر. في الواقع، هم يهتمّون كثيرًا بالناس، ولكنهم يشعرون عادة بالإرهاق من كثرة الحديث والتواصل الاجتماعي والخوض في مواضيع سطحية لا داعي لها في رأيهم.
إذن، إن كنت تريد بدء حوارٍ مع شخص انطوائي، فما عليك سوى أن تبدأ الحديث عن أمر ممتع يجده هذا الانطوائي مثيرًا للاهتمام، وقد تكتشف حينها أنّ أكثر شخص متحدّث في المكان بأكمله!
10- وصف الانطوائي بالهدوء الشديد إهانة له
الانطوائيون ليسوا الوحيدين الذين يُساء فهم شخصيّتهم، فالاجتماعيون يعانون من الأمر ذاته، وكثيرًا ما تطلق عليهم صفات مثل: ثرثارين أو شديد الإزعاج. وهي بلا شكّ صفات سيئة، ومن غير اللباقة أن تطلقها على شخص اجتماعي يحبّ التعبير عن رأيه والتحدّث مع الغير.
بالمثل، فإنّ وصف شخص انطوائي بأنه “شديد الهدوء” أو “شبه أخرس” أمر فظّ للغاية، وليس من اللائق قوله.
في النهاية لكلّ شخصية سماتها وعيوبها، ويجب على كلا النوعين من الشخصيات (الانطوائية والاجتماعية) محاولة فهم النوع الآخر وتقدير احتياجاته وسماته.
11- الشخصية الانطوائية ليست مرض

غالبًا ما يتمّ التعامل مع الانطوائية على أنّها مرض لابدّ من معالجته والتغلّب عليه. إذ يقول الكثير من الانطوائيين أنّهم قد تعرّضوا لمواقف أجبرهم فيها المعلّمون أو البالغون على عيش مواقف جعلتهم يشعرون بالقلق وعدم الارتياح والإرهاق. تشمل هذه المواقف على سبيل المثال:
- جعلُ طالب هادئ قائدًا للمجموعة في المدرسة.
- منح طالب انطوائي دور الشخصية الرئيسية في مسرحية المدرسة.
- وضع طالب هادئ في نفس المجموعة مع أكثر الطلاب انفتاحًا واجتماعية.
تترافق مثل هذه الأفعال مع جمل مثل: “أنت هادئ للغاية، الخروج من منطقة راحتك والاختلاط مع شخصيات منفتحة سيساعدك على التغلّب على هذا الأمر!”
لكن… ما يجهله الكثيرون هو أنّ الانطوائية ليست شيئًا يجب التغلّب عليه. إنها ليست مرضًا يجبُ علاجه أو اضطرابًا نفسيًا بحاجة للمتابعة والمراقبة.
الخجل الشديد، التوتر، والقلق المفرط هي ما يجب التعامل معه وعلاجه تحت إشراف ومراقبة المختصّين. وليس بفرض الآراء أو إجبار هؤلاء الأشخاص على التعامل مع مواقف لا يرتاحون إلى التواجد فيها.
كانت هذه إذن بعض الحقائق التي يتمنّى كلّ شخص انطوائي أن تعرفها عنه، والتي قد تعدّ الخطوة الأولى لتعلّم كيفية التعامل مع الشخصية الانطوائية.
في النهاية الأمر ليس بهذه الصعوبة. كلّ ما عليك فعله هو أن تُنصت إلى صمت هؤلاء الأشخاص وهدوئهم، وأن تتفهّم سماتهم الشخصية المتمثلة في غالبًا في الهدوء والحاجة إلى قضاء بعض الوقت بعيدًا عن التجمّعات والأماكن المكتظّة المزدحمة.
والأهمّ من ذلك، الابتعاد عن إلقاء الأحكام المجحفة بحقّ هؤلاء الأشخاص، أو تصنيفهم ضمن قوائم المرضى وأصحاب الاختلالات العقلية.
لكلّ شخص انطوائي يقرأ هذا المقال: “تذكّر أنّك رائع كما أنت، دون الحاجة لأن تغيّر في نفسك شيئًا… وأنّ هنالك الكثيرين ممّن يمرّون بما تمرّ به، ويحسّون بذات المشاعر التي تحسّ بها… إن لم تعثر على من يفهمك، فملاذك سيكون هنا…في ركن الانطوائي في موقع أفكار دافئة”