الشعور بالتأخر في الحياة إحساس اعتدتُ أن أجدني محاصرة به وبفكرة أنّ عليّ أن أكون أكثر نشاطًا وإنتاجية في كلّ يومٍ لألحق بالآخرين وأعوّض ما فاتني…
في هذا المقال
- ما الذي يحدث فعلاً ويجعلنا نشعر أنّنا متأخرون في الحياة؟
- غيّر مقياسك تتغيّر حياتك!
- معايير جديدة لقياس مدى تقدّمك في الحياة
- 1- ما مدى انسجامك مع قيمك؟
- 2- نوعية علاقاتك
- 3- كيف تتعامل مع الصعوبات والتحدّيات؟
- 4- رفاهك النفسي والعاطفي
- 5- ما مدى انفتاحك على التعلّم؟
- 6- كيف تؤثّر على الآخرين والعالم من حولك؟
- 7- مفهومك الخاصّ عن الغاية والهدف
- ما الذي سيحدث حقًا عندما تتبنّى هذه المعايير الجديدة؟
- كلمة أخيرة
ظننت في البداية أنّي الوحيدة التي تفكّر على هذا النحو، لكن…وحينما بدأت أقرأ وأتعمّق باحثة عن السبب وراء هذا الشعور، اكتشفت أنّي لستُ كذلك، وأنّنا جميعًا نمرّ بلحظات نشعر فيها بأننا متأخرون في الحياة.
عندما ترى أصدقاءك يرتبطون ويتزوّجون بينما لا تزال تسير وحدك في طريق الحياة، قد يتسلّل هذا الشعور إليك.
عندما تلاحظ أنّ كلّ من حولك قد تمكّنوا من تملّك منازلهم الخاصّة وأنت لا تزال تستأجر شقّة صغيرة، قد تشعر بأنّك لست في المكان الذي يُفترض بك أن تكون فيه.
وحينما تتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي وتلفت انتباهك صور زملاء المدرسة وهم يحملون أطفالهم بين أيديهم، بينما لا تزال أنت في بداية مشوارك، قد تتساءل: هل تأخرت…
وأحيانًا، حينما تلتقي أحدهم وتجد أنّه يماثلك في العمر أو ربّما أصغر منك ولكنّه يعيش الحياة التي تحلم بها، في حين لاتزال أنت تصارع لتخطو خطوتك الأولى نحو درب أحلامك… قد تفكّر: هل فاتني القطار؟!
فهل فات القطار حقًا؟ وهل هناك قطار أصلاً ليفوت ويمضي دون أن نستقلّه ونمضي معه؟
ما الذي يحدث فعلاً ويجعلنا نشعر أنّنا متأخرون في الحياة؟
في الواقع، من المنطقي للغاية أن يشعر الكثير منّا على هذا النحو. ففي السنوات الـ 18 الأولى من حياتنا (وربما أكثر)، يسير معظمنا في نفس الدرب تقريبًا. جميعنا نرتاد المدرسة، ونتعلّم نفس الموادّ الدراسية. نقضي أيامنا مع زملائنا، ونجتاز نفس المراحل معًا، وبالوتيرة نفسها.
ثمّ وبعد انتهاء مرحلة المدرسة والجامعة، يمضي كلّ واحد منّا في درب مختلف، وهنا تصبح المقارنة حول “من في الطليعة” و”من تخلّف عن الركب” غامضة ومربكة.
لهذا السبب، ولأننا لا نملك مؤشرات واضحة لقياس تقدّمنا بعد الآن (كما كان الحال أيّام المدرسة)، ينتهي بنا المطاف لقياس مدى تأخرنا في الحياة بناءً على عوامل خارجية فرضتها مجتمعاتنا كالتخرّج، الارتباط، الإنجاب، امتلاك العقارات وغيرها من الأمور المادية التي أصبحت مقياسًا للنجاح، متناسين أنّ هذه العوامل في الواقع غير مهمّة إطلاقًا!
الحقيقة مغايرة تمامًا لما نراه، ولما تحاول وسائل التواصل الاجتماعي إظهاره لنا. فليس كلّ من امتلك “عوامل النجاح” هذه ناجحًا حقًا، أو سعيدًا ومرتاحًا في حياته، لا أعني هنا أنّ من امتلك هذه الأمور فهو تعيس، ولكن المقصد أنّها ليس السبب الرئيسي والوحيد للسعادة، وهي لا تمثّل مدى تقدّم الشخص في حياته.
لكن، ولأننا بشر نعيش جميعًا على نفس الكوكب، فمن الصعب أن ننعزل عن الكلّ، ونتوقّف عن مقارنة أنفسنا بالغير. سيكون من الرائع لو تمكّن كلّ واحد منّا من فعل ذلك، بيْدَ أنّ القول أسهل بكثير من الفعل، ومهما حاولت ألاّ تقارن نفسك بهذا أو ذاك، ستجد نفسك في لحظة ما قد فعلت.
فما الحلّ إذن؟
غيّر مقياسك تتغيّر حياتك!
أجل هذا هو ببساطة الحلّ، إن كان الشعور بالتأخر في الحياة يلازمك، فقد حان الوقت لتغيّر طريقتك في قياس مدى تقدّمك فيها!
لا أخفيك سرًّا، قد مرّت عليّ أنا أيضًا لحظات شعرت فيها بأنني متأخرة جدًّا في حياتي وعن كلّ شيء. ببساطة كنت كغيري، أقيس تقدّمي بناءً على العوامل المادية كالحصول على شهادة عليا، أو امتلاك وظيفة مثالية، أو نيل ترقية تتلاءم مع عمري…الخ.
لكن اليوم… وبالرغم من أنني لا أملك الكثير ممّا يعتبر مقياسًا للنجاح في الحياة، لم أعد أشعر بأني متأخرة كما كان الحال في سنوات مضت، وقد تغيّر الحال بمجرّد أن اتخذت القرار بتغيير طريقة قياسي لمدى تقدّمي.
معايير جديدة لقياس مدى تقدّمك في الحياة
إليك بضعة معايير وضعتها لنفسي لقياس تقدّمي، وأكاد أجزم أنها ستكون مناسبة لك أيضًا، كما يمكنك بلا شكّ أن تعدّل وتضيف عليها بما يتناسب مع اهتماماتك وأهدافك الخاصّة:
1- ما مدى انسجامك مع قيمك؟
التقدّم في الحياة لا يتمحور فقط حول محطّات معيّنة كالتخرّج والوظيفة والمال…الخ. بل إنّه يُقاس أيضًا بصدقك تجاه نفسك وقيمك وما يهمّك حقًا. اسأل نفسك: هل أعيش يومي بما يعكس قيمي التي أؤمن بها؟ سواءً كانت قيمك متركّزة على جوانب دينية، أو إنسانية أو إبداعية أو غيرها، كن على ثقة بأنّك كلّما اقتربت من قيمك أكثر، زاد شعورك بالرضا والسعادة في هذه الحياة.
2- نوعية علاقاتك
بعيدًا عن المسميات الاجتماعية، والألقاب البرّاقة التي نمنحها لبعضنا البعض على منصّات السوشيال ميديا وفي المناسبات والأحداث الاجتماعية، فكّر قليلا في مدى عمق علاقاتك الاجتماعية. هل حولك أشخاص تثق بهم حقًا، وترتاح عندما تتحدّث إليهم وتأتمنهم على أسرارك وأفكارك؟ هل هناك من تعتمد عليه وتجده وقت الشدّة، ويشاركك أتراحك قبل أفراحك؟
إن كان جوابك بـ “نعم” فأنت على الأغلب متقدّم على الكثيرين في هذا العالم!
3- كيف تتعامل مع الصعوبات والتحدّيات؟
مخطئ من يقول لك أنّ الحياة تصبح أسهل بمرور الوقت، فالواقع أنّك أنت من تصبح أقوى! هذا التمرين البسيط سيساعدك على معرفة مدى قوّتك أمام المحن والتحدّيات.
فكّر في موقف صعب أو وقت عصيب مررت به قبل خمس سنوات أو أكثر، كيف تعاملت مع الموقف آنذاك؟ كيف كانت ردّة فعلك؟ وكيف عشت أيامك في خضمّ تلك الظروف الصعبة.
فكّر مجدّدًا في موقف آخر حدث معك مؤخرًا. كيف تعاملت مع الأمر؟ وكيف تمكّنت من التغلّب على هذا الظرف العصيب؟
إن كنت قد تعاملت مع الأوقات العصيبة التي واجهتها مؤخرًا بحكمة وجلد أكبر، أو أظهرت ردّة فعل إيجابية، أو تمكّنت من تجاوز المحنة في وقت أقصر من سابقتها، فذلك يدلّ على أنّك قد قطعت شوطًا طويلاً في درب الحياة، واستطعت بناء مرونة شخصية تجاه تقلّبات الحياة. إنّها مهارة نادرة يفتقر إليها الكثيرون في يومنا هذا! فهنيئًا لك!
4- رفاهك النفسي والعاطفي
معيار آخر لقياس مدى تقدّمك في الحياة، ألا وهو حالتك الذهنية والعاطفية. اسأل نفسك: هل أشعر أني أكثر استقرارًا واتزانًا على الصعيد النفسي؟ هل أحسّ بالسلام الداخلي في أيامي؟
امنح الأولوية لصحتك النفسية ورفاهك العاطفي، فهذا إنجاز مهمّ يغفل عنه الكثيرون، والوصول إليه يتطلّب الكثير من البحث والعمل والجدّ، فإن حققته، كن واثقًا من أنّك بلا شك متقدّم في درب الحياة.
5- ما مدى انفتاحك على التعلّم؟
الركود عكس التقدّم، وعدوّ النجاح. فهل أنت راكد في حياتك، تمضي فيها مكتفيًا بما تعلّمته في المدرسة والجامعة، ووظيفتك الأولى، أم أنّك منفتح على التعلّم وعيش تجارب جديدة في كلّ يوم؟
سواءً كنت تشبع فضولك تجاه العالم من خلال الكتب أو الأفلام، أو باكتساب مهارات جديدة، فالقيام بذلك يساعدك على التطوّر المستمر، ويضمن لك التقدّم في جميع مناحي الحياة.
تعرّف على 4 من أهمّ أسرار النجاح لتحقيق أهدافك
6- كيف تؤثّر على الآخرين والعالم من حولك؟
قد يظهر التقدّم أحيانًا من خلال ما تتركه من أثر على الآخرين، وما تجعلهم يشعرون به بعد تعاملك معهم. اسأل نفسك من حين لآخر: هل أضيف قيمة لحياة الآخرين، حتى وإن كان ذلك بأمور بسيطة؟
إن كانت أفعالك وكلماتك أو حتى وجودك مع الغير، يُلهمهم ويمنحهم إحساسًا إيجابيًا وشعورًا جيدًا حول أنفسهم وحياتهم، فأنت تحرز تقدّمًا مبهرًا بلا شك، من الرائع حقًا أن تسهم ولو بكلمة واحدة في جعل يوم أحدهم أفضل قليلا. وكيف لنا أن ننسى قوله صلّى الله عليه وسلّم: “الكلمة الطيبة صدقة”.
7- مفهومك الخاصّ عن الغاية والهدف
ليس بالضرورة أن يكون تقدّمك في الحياة صارخًا ومرئيًا للجميع. فقد يكون ببساطة شعورًا لذيذًا من الاطمئنان والارتباط العميق بهدفك وغايتك في الأرض. هل تشعر بأنّ ما تقوم به ذو معنى لك او للآخرين؟ سواءً كان ذلك من خلال وظيفتك، فنّك، أهدافك الشخصية أو غيرها…بمجرّد أن يكون لما تفعله معنى، فأنت تعزّز حياة تستحق العيش.
ما يميّز هذه المعايير الجديدة أنّها شخصية وقابلة للتعديل والتغيير بما يتناسب مع حياتك وظروفك الخاصّة. وبقليل من المثابرة والتركيز ستتمكّن من تحقيق جزء كبير منها، إن لم تكن قد فعلت حقًا!
ما الذي سيحدث حقًا عندما تتبنّى هذه المعايير الجديدة؟
عندما تتوقّف عن مقارنة نفسك بالآخرين، والركض خلف ما يعتبره المجتمع والعالم مقياسًا للنجاح، ستلحظ تغييرات مهمّة في حياتك:
- لن تقلق بعد الآن حول الشعور بأنك متأخر في حياتك عند رؤية ما ينشره الآخرون على منصّات السوشيال ميديا، لأنك تدرك أنّ معايير النجاح والسعادة التي وضعتها خاصّة بك وحدك ولا علاقة لها بما يعتقده أو يحسّه الآخرون.
- ستبدأ بالبحث عن أشخاص سعداء ومكتفين حقًا في حياتهم لتتعلّم منهم وتستفيد من خبراتهم، بدلاً من التركيز على أصحاب المادّة والمظاهر.
- ستتوقّف عن الركض المستمر في حياتك سعيًا لتعويض ما فاتك. لأنك ستدرك بأنّك في الواقع تحرز تقدّما أكبر بكثير ممّا كنت تتخيّل!
- ستبحث عن تجارب جديدة تجلب لك السعادة والإثارة والرضا العميق، بدلاً من السعي نحو التوكيدات المادية كوسيلة للحاق بالركب كالألقاب الوظيفية أو الممتلكات أو المسميّات المبهرجة.
لا أقول لك أنّه من السيء السعي نحو تحقيق أمور مادية. من الطبيعي أن ترغب في وظيفة جيدة، وأن تحلم بترقية تتلاءم مع عملك الجادّ. من المنطقي أن تسعى لامتلاك بيت وتأسيس عائلة ورؤية أطفالك، والبدء بمشروعك الخاص، و..و..و…
ما أودّ قوله هو أن تفكّر مليًا في سبب رغبتك في هذه الأمور. هل تريدها لأنها تحقق لك السعادة والرضا، أم أنّها بالنسبة لك أهداف ومحطّات يجب عليك تحقيقها في عمر معيّن؟!
إن كان السبب الثاني هو جوابك، فهنا عليك أن تكون حذرًا، لأنك وإن حققت هذه الأمور فقد لا تكون سعيدًا. لماذا؟
لأن تركيزك سيكون منصبًّا على تحقيق الهدف بغضّ النظر عمّا سيجلبه لك. قد تجد نفسك تمتلك منصبًا مرموقًا في شركة ومجال عمل لا تحبّه إطلاقًا! أو ربما تختار شريك حياة لا يفهمك!
كلمة أخيرة
مع اقتراب نهاية العام، وانشغال كلّ منّا بتقييم إنجازاته في العام المنصرم وأهدافع للعام المقبل، أدعوك عزيزي القارئ لانتهاج أسلوب تقييم بديل، واعتماد المعايير الجديدة في تقييم أدائك وتخطيط أهدافك.
وأشدّد على ضرورة أن تتذكّر بأنّ لكلّ منّا دربه الخاصّ في الحياة المختلف تمامًا عن كلّ شخص آخر. كلّ منّا يسير بوتيرة مغايرة عن الآخرين، ويمرّ بظروف وأحداث فريدة تلعب جميعها دورًا في تكوين شخصيّتنا وتجاربنا، وكذلك إنجازاتنا.
لا تقسُ على نفسك… انظر إلى أيامك الماضية بعين الرضا والفخر أيًّا كانت. وتفاءل بالغد القادم، وابدأ من جديد…هذه المرّة سعيًا لتحقيق أهداف تجلب لك الرضا الحقيقي والسعادة التي تطمح إليها.
No Comment! Be the first one.