عندما يؤتى على ذكر شهر رمضان المبارك، غالبًا ما يتبادر إلى أذهاننا مزيج ساحر من الأجواء الروحانية، واللحظات الدافئة مع الأهل والأصدقاء، حيث يُوصف بأنّه شهر السلام والتأمل والتجدّد الروحي. إنّه فرصة ثمينة يجتمع خلالها المسلمون حول العالم للصيام والصلاة والتقرّب إلى الله بالطاعات والعبادات.
في هذا المقال
- ما هي أهمّ التحديات النفسية في رمضان؟
- 1- الصيام وتقلّبات المزاج
- 2- الضغوطات الاجتماعية
- 3- الشعور بالذنب نتيحة التقصير الديني
- 4- الانعزال والوحدة
- إنّها حقيقية!
- نصائح واستراتيجيات عملية للحفاظ على التوازن النفسي في رمضان
- 1- ضع أهدافًا واقعية
- 2- ابني لنفسك رويتنًا متوازنًا
- 3- اجعل من الامتنان والوعي بالذات عادة لك
- التأمل عدّة مرّات خلال اليوم
- توكيدات الامتنان
- التركيز على الغاية
- 4- ابقَ على تواصل مع العالم، ولكن ضع حدودك الخاصّة
- غذّي علاقاتك
- تعلّم أن تقول “لا”
- لا تقلّل من أثر التواصل الافتراضي
- 5- اجعل من البساطة عنوانك
- جهّز إفطارًا بسيطًا
- رتّب منزلك
- قلّل فترات تصفّحك لمنصات السوشيال ميديا
- 6- احتفل بانتصاراتك الصغيرة
- عِش جوهر رمضان الحقيقي
- كلمة أخيرة
ومع ذلك، فقد يكون هذا الشهر أيضًا مرهقًا للبعض، حيث أنّه ومع متطلّبات العمل والمسؤوليات العائلية والالتزامات الاجتماعية، قد يجد المرء نفسه منهكًا مشتّتًا غير قادر على التوفيق ما بين مسؤوليات الحياة والجوانب الروحانية لهذا الشهر الفضيل.
ووسط إيقاع الحياة المتسارع وصخبها، قد يغدو العثور على السكينة في رمضان تحدّيًا صعبًا. فنحنُ نحاول الموازنة بين المسؤوليات اليومية من وظيفة ودراسة والتزامات عائلية وبين السعي لتحقيق أهدافنا الروحانية ونيل بركات الشهر الكريم، كلّ ذلك أثناء محاولة التعامل مع التقلّبات العاطفية واختلافات الروتين التي تصاحب الصيام، فيؤدّي ذلك في نهاية المطاف إلى إهمال الاستقرار النفسي وتراجعه إلى آخر قائمة الأولويات.
لكن ما يغفل عنه كثيرون هو أنّ الاهتمام بصحتك النفسية أمرٌ في غاية الأهمية، وتزداد أهميته خلال شهر رمضان ليصبح ضرورة قصوى. إذ كيف لنا أن نستشعر بركات هذا الشهر العظيم إن كنّا نعاني من الإرهاق، القلق أو الاحتراق النفسي؟!
في مقال اليوم سنستكشف معًا أهمّ التحديات التي قد يواجهها البعض خلال هذا الشهر والتي قد تحرم الكثير منا متعة استشعار روحانياته وبركاته، وسنطرح بعض الاستراتيجيات العملية التي تساعدنا لتحقيق التوازن والعثور على السلام الداخلي والسعادة الحقيقية في هذا الشهر. ذلك أنّ رمضان، ليس شهر الكمال، وإنمّا هو شهر لتحقيق التقدّم، تجديد التواصل مع الله، وتغذية الروح.
ما هي أهمّ التحديات النفسية في رمضان؟

قد تسائل نفسك عزيزي القارئ، كيف يمكن لهذا الشهر الكريم الفضيل أن يجلب معه تحدّيات نفسية؟ وهل من المعقول أن أصاب بالقلق أو الاكتئاب بسبب هذا الشهر المليء بالرحمات؟
والجواب سهل بسيط. الأمر لا يتعلّق بشهر رمضان بحدّ ذاته، فلا خلاف على أنّه فرصة للارتقاء بالنفس وتجديد الإيمان، لكن هذه التحدّيات تظهر غالبًا بسبب الظروف المحيطة، والتغيّرات في نمط الحياة بشكل عام، بالإضافة إلى الضغوطات المجتمعية من حولنا، وبمجرّد التعرّف على هذه التحدّيات، وفهمها، والتعامل معها بشكل صحيح ستتمكّن من الحفاظ على توازنك النفسي، وحينها فقط ستتمكّن من تذوّق حلاوة رمضان الحقيقية.
إليك فيما يلي أهمّ التحدّيات النفسية التي قد تواجهها في رمضان:
1- الصيام وتقلّبات المزاج
الصيام من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، هو بلا شكّ من أسمى العبادات وأكثرها تطهيرًا للنفس، وتصفية للذهن. لكننا مع ذلك نرى أنّ البعض يجد في الصوم أمرًا مرهقًا مستنزفًا للطاقة. وهذا مفهوم وطبيعي، خاصّة عندما يكون الجسم معتادًا على نظام معيّن من الطعام والشراب أو حتى روتين النوم. واختلاف هذا النظام يؤدي بطبيعة الحال إلى تغيّرات في طاقة الجسم وتقلّبات في المزاج. فنجد أنّ البعض يشعر بغضب دائم، وقد يفقد أعصابه لأبسط الأمور، خاصّة في الأيام الأولى قبل أن يعتاد الجسم على الروتين الجديد.
2- الضغوطات الاجتماعية
ممّا لا شكّ فيه أنّ رمضان هو شهر للتقارب وصلة الرحم والتآلف، لكنّه قد يحمل أيضًا ضغوطات اجتماعية لا يُستهان بها، سواءً كان ذلك نتيجة محاولة إعداد الإفطار المثالي للعائلة والأصدقاء، أو تلبية دعوات الإفطار لمختلف الأفراد، أو حتّى مجاراة ما نراه على منصّات التواصل الاجتماعي، حيث يحظى الجميع بشهر رمضان المقالي، فيما نحاول نحن التوفيق بين المسؤوليات في الوظيفة والبيت والمجتمع، وبين الالتزام بالعبادات.
جميع هذه الأمور قد تشعرنا بالإرهاق، وتزيد من شعورنا بالعجز، وبأننا لا نقضي هذا الشهر الفضيل كما ينبغي، ممّا يحرمنا الاستمتاع بأيّامه المباركة.
3- الشعور بالذنب نتيحة التقصير الديني
لنكن صريحين، جميعنا نتلّهف لبداية شهر رمضان، وعادة ما نستقبله بأهداف وطموحات عظيمة، بأننا سنصبح أشخاصًا آخرين تمامًا عند دخول الشهر وبعده. بأننا سنتفرّغ للصلاة والعبادة وقراءة القرآن، وسنقوم الليل كلّ يوم، وسنلتزم بختم قراءة القرآن أكثر من مرّة.
وهو أمرٌ جميل بلا شكّ، لكنه في بعض الأحيان غير واقعي. فإن كنت موظفًا تعمل بدوام كامل، سيكون من الصعب عليك السهر لوقت متأخر جدًّا، وإن كنتِ ربّة منزل ولديك مسؤوليات عائلية، فلن تتمكّني بلا شكّ من التفرّغ تمامًا للعبادة، وقس على ذلك كلّ الظروف الاجتماعية الأخرى.
وهكذا، وعندما نفشل في تحقيق تلك الأهداف الطموحة، نقع في فخّ الشعور بالذنب لأننا مقصّرون في واجباتنا الدينية، ونرى أيام الشهر تمضي سريعًا دون أن نتمكّن حقًا من استغلالها والحصول على الأجر والثواب فيها كما يجب، لكن…
لا يجب أن تنظر للأمر على هذا النحو دائمًا… تابع القراءة لتكتشف كيف يمكنك التغلّب على هذه الأحاسيس.
4- الانعزال والوحدة
بالنسبة للبعض، قد يعزّز شهر رمضان شعورهم بالوحدة، خاصّة إن كانوا مغتربين يعيشون بعيدًا عن عائلاتهم، أو كانوا يفتقدون إلى مجتمع داعم يستندون إليه.
ففي الوقت الذي اعتادت فيه عائلتك على الاجتماع حول مائدة الإفطار أو أداء صلاة التراويح جماعة، ستجد نفسك ربّما وحيدًا هذه المرّة بسبب ابتعادك عنم لأغراض الدراسة أو العمل، وسيتحوّل ذلك الوقت السحري من السنة الذي كنت تعيش فيه أفضل اللحظات العائلية، إلى أيام باهتة تقضيها وحيدًا بعيدًا عن أحبائك.
ليس هذا وحسب، قد يشعر البعض أيضًا بالغربة والانعزال عن المجتمع من حولهم في شهر رمضان إن كانت رحلتهم الروحية والدينية لا تسير على نفس الوتيرة التي يسير بها الآخرون من حولهم، فيشعرون بأنهم متأخرون، بأنهم غير جيّدين بما فيه الكفاية، وقد يدفعهم ذلك للتوقف عن المحاولة تمامًا.
إنّها حقيقية!
نعم يا صديقي، هذه التحدّيات والصعوبات التي قد تواجهها في رمضان حقيقية، وليست في رأسك فقط. وأفهم أنّك قد تشعر بالذنب لمجرّد الاعتراف بها، لأن شهر رمضان لا يجب أن يكون سيئًا ولا أن تكون فيه تحدّيات، ومن الخاطئ أن ننظر إليه نظرة سلبية كهذه.
في الواقع، وكما ذكرتُ سابقًا، الأمر ليس مرتبطًا بشهر رمضان بحدّ ذاته، وإنّما بأسلوب حياتنا الجديد المختلف تمامًا عمّا كان في الماضي. أعني… هل تتذكّر شهر رمضان قبل عقد أو أكثر من زمان، عندما لم يكن هنالك إنترنت، أو وسائل تواصل اجتماعي؟ أو عندما كنت في المدرسة وليس لديك مسؤوليات كثيرة كما اليوم.
ألم يكن حينها الشهر بالنسبة لك ممتعًا بمجمله، مليئًا بالطمأنينة والسكينة؟!
لمجرّد أنّك قد تشعر بالإرهاق والتعب والضغط في هذا الشهر، فذلك لا يجعلك شخصًا سيئًا، ومشاعرك حقيقية ومفهومة، لكنّ الأمر الجيّد هو أنّه ومن خلال الاعتراف بهذه التحدّيات، والاستعداد لها قبل بدء الشهر الكريم، ستصبح الأمور أسهل عليك، وسيكون بإمكانك استغلال شهر رمضان كما يجب، واستشعار كلّ ما فيه من نفحات وهبات عظيمة، تمامًا كما كان حالك قبل سنوات مضت.
نصائح واستراتيجيات عملية للحفاظ على التوازن النفسي في رمضان
لنستكشف معًا أهمّ النصائح التي يمكنك تطبيقها ابتداءً من اليوم حتى تتمكّن من قضاء شهر رمضان في سكينة واطمئنان، ولتقلّل قدر الإمكان من الصعوبات النفسية والتحدّيات المرافقة لهذا الشهر.
1- ضع أهدافًا واقعية
عندما تبدأ بوضع خطّتك الرمضانية، ركّز على الجودة مقابل الكميّة.
أجل أعلم أنّك متحمّس للغاية، وأنك تشعر بأنّ الطاقة والعزيمة والحماس يتفجّر في داخلك… لكن صدّقني، سيتلاشى ذلك بعد يومك الأول عندما تقلّ ساعات نومك، وتختلف مواعيد تناولك للطعام!
ضع أهدافًا واقعية يمكنك بالفعل تحقيقها، وخذ بعين الاعتبار كلّ الظروف المحيطة والالتزامات المترتبة عليك خلال الشهر، هل أنت موظف وتعمل بدوام كامل؟ هل لديك امتحانات ودروس خلال الشهر الفضيل؟ كيف ستوفّق بين الدراسة أو العمل وبين الجوانب الروحية والدينية وكذلك الالتزامات الاجتماعية؟
إليك بعض الأمثلة على أهداف واقعية وأخرى غير منطقية:
- بدلاً من ان يكون هدفك ختم القرآن 3 أو 4 مرّات خلال الشهر، يمكنك أن تركّز على ختمة واحدة فقط. وحتى إن كان ذلك صعبًا، يمكنك التركيز على تدبّر الآيات وقراءة القرآن بتركيز أكبر.
- بدلاً من اتخاذ القرار بأداء صلاة التراويح يوميًا في المسجد (للفتيات)، يمكنكِ أن تجعلي هدفك هو الصلاة في الجامع خلال عطل نهاية الأسبوع، والالتزام بأدائها في المنزل بقية الأيام.
- بدلاً من أن يكون هدفك قيام الليل كاملاً، يمكنك تخصيص ساعتين مثلاً لفعل ذلك، وأخذ قسط كافٍ من الراحة.
كن لطيفًا مع نفسك، وتذكّر دومًا أنّ المغزى الحقيقي من شهر رمضان هو الراحة والطمأنينية والتقرّب إلى الله، وليس الوصول إلى الكمال في كلّ شيء. إن فشلت في تحقيق هدف معيّن وضعته لنفسك في هذا الشهر، لا تبتأس، جدّد نيّتك وحاول من جديد.
وتذكّر، في ديننا الحنيف، أنت تؤجَر على كلّ عمل خالص لله، عملك عبادة، ودراستك عبادة، وسعيك في الأرض عبادة، وإعداد الطعام وإتمام أعمال المنزل عبادة. يمكنك أن تؤجر على كلّ ما تقوم به خلال يومك إن كانت نيّتك خالصة لله، فلا تحصر الأجر بالصلاة والشعائر التعبديّة فقط.
2- ابني لنفسك رويتنًا متوازنًا
خطّط ليومك جيدًا، وابنِ لنفسك روتينًا متوازنًا توزّع فيه وقتك ما بين العبادة والعمل والراحة وكذلك قضاء الوقت مع العائلة والأقارب.
على سبيل المثال، يمكنك الاستيقاظ للسحور، أداء صلاة الفجر، ثمّ الاستفادة من ساعات الصباح الباكر للتفكّر، التسبيح وقراءة القرآن، قبل أن تنطلق في يومك وتنشغل بأمور العمل أو الدراسة أو غيرها.
من المهمّ أيضًا أن تجعل الراحة في قائمة أولوياتك. قلّة النوم لن تجعلك تقضي رمضان بصورة أفضل، بل ستزيد في الواقع من توّترك وتقلّب مزاجك، ولن يُتاح لك الاستمتاع ببركات هذا الشهر الفضيل كما يجب.
وأمّا العنصر الثالث المهمّ في بناء الروتين الرمضاني المتوازن فهو التغذية السليمة والحرص على ترطيب جسمك جيدًا. خلال ساعات الإفطار، ركّز على تناول أطعمة مغذيّة ومتوازنة للحفاظ على طاقتك خلال ساعات الصيام.
3- اجعل من الامتنان والوعي بالذات عادة لك

وذلك من خلال ما يلي:
التأمل عدّة مرّات خلال اليوم
خصّص بضع لحظات خلال يومك لتتوقّف قليلاً، خذ نفسًا عميقًا، واستشعر هدوء الشهر ونفحاته. اجعل تلك فرصتك للتواصل من جديد مع الله.
توكيدات الامتنان
وهل هناك وقت أفضل للشعور بالامتنان واستذكار نعم الله وعطاياه من شهر رمضان المبارك؟!
وأوّل شيء يمكنك أن تبدأ استذكاره والشعور بالامتنان عليه هو أنّك قد حظيت بفرصة أخرى لصيام هذا الشهر الكريم، وحولك أحباؤك وعائلتك بصحّة وعافية.
خصّص خلال يومك بضعة دقائق تستذكر فيها النعم التي بين يديك، أو يمكنك كتابتها على دفتر أو مفكّرة خاصّة. سيساعدك ذلك على تحويل تركيزك من الضغوطات والتوترات إلى النعم والإيجابيات في حياتك.
التركيز على الغاية
عندما تشعر بالتعب والإرهاق خلال نهار الصيام، حاول أن تستذكر الغاية العظمى من هذه العبادة. استحضر الأجر والثواب الذي تناله مقابل الصيام، تذكّر الأجر المضاعف خلال هذا الشهر الفضيل، وجدّد نيّتك بأن يكون كلّ عمل خالصًا لله وحده.
عندما تركّز على الغاية العظمى، ستجد نفسك مرتبطًا على الدوام بالجوهر الروحي لهذا الشهر، ممّا يخفف عنك الضغوطات ويساعدك على الحفاظ على توازنك النفسي والعاطفي.
4- ابقَ على تواصل مع العالم، ولكن ضع حدودك الخاصّة
يعتبر الكثيرون شهر رمضان الكريم، فرصة للتواصل وصلة الرحم، وهو كذلك بالفعل، لكن التجمعات العائلية المتكرّرة، ومأدبات الإفطار والسحور وحتى أمسيات السهرات قد تكون مرهقة للبعض، بل وقد لا يفضّلها الكثيرون لأنّها تلهيهم عن العبادة والصلاة والقيام. وعلى الجانب الآخر، هناك من يعيشون مغتربين بعيدين عن عائلاتهم، ممّا يجعلهم يشعرون بالانعزال والوحدة خلال هذه الأيام المباركة. فما هو الحل؟
غذّي علاقاتك
وذلك بقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء، واحرص أن يكون وقتًا ذا جودة. مجدّدًا ركّز على الجودة بدلاً من الكمية.
بدلاً من التجمّع كلّ يوم، وتنظيم الإفطارات الكبيرة التي قد لا تستطيع خلالها التواصل حقًا مع المدعوين، اكتفِ بتجمّعات أصغر مع أفراد العائلة الأقرب والأحبّ إليك.
إن كنت تريد التركيز على أداء العبادات، فيمكنك مثلاً تنظيم تجمّعات للصلاة معًا في المنزل أو الجامع، أو ترتيب جلسات حوارية في مجالات دينية أو مواضيع مفيدة ذات مغزى.
تعلّم أن تقول “لا”
يمكنك، بل ومن حقّك أن ترفض بعض دعوات الإفطار، إن كنت تشعر بأنها سترهقك، أو تفرض عليك أيّ نوع من الضغوط الاجتماعية، العاطفية أو حتى المادية.
احرص على أن يكون رفاهك النفسي، وتوازنك العاطفي في أعلى قائمة أولوياتك، وتجنّب كلّ ما يزعجك أو يحبطك.
لا تقلّل من أثر التواصل الافتراضي
وخاصّة إن كنت مغتربًا أو تعيش بعيدًا عن عائلتك. نحن نعيش في قرية صغيرة بفضل التكنولوجيا، والتطوّر التقني. وفي الوقت الذي قد لا يكون فيه التواصل عبر مكالمات الفيديو مماثلاً للتواجد الحقيقي مع عائلتنا وأصدقائنا، لكنّه مع ذلك سيخفف عنك الشعور بالوحدة والغربة.
يمكنك مثلاً استضافة إفطارات جماعية عبر الإنترنت مع عائلتك أو أصدقائك في وطنك. أو تستطيع الانضمام إلى مجموعات حفظ القرآن أو الدروس الدينية المباشرة عبر الإنترنت، ستشعر حينها أنّك جزء من مجتمع متكامل، وسيخفّ كثيرًا شعورك بالوحدة والانعزال.
5- اجعل من البساطة عنوانك

مع اقتراب الشهر الفضيل، وطوال أيامه، تُمطرنا منصّات التواصل الاجتماعي بفيدوهات لمؤثرين ومشاهير وهم يعدّون منازلهم ومكاتبهم لاستقبال الشهر. البعض يُشركنا في إفطاراته المذهلة، وآخرون يدعوننا من خلال مقاطع الفيديو إلى رؤية أمسياتهم.
آخرون يشاركون معنا تجهيزاتهم الرمضانية بأحدث الديكورات والزينة المتكلّفة…الخ.
لا أنكر أنّ نوايا الغالبية العظمى من هؤلاء المؤثرين هي نشر الفرحة، ومشاركة الآخرين سعادتهم بقدوم الشهر الفضيل، لكن…قد يكون هذا الأمر مدعاة للإحباط، خاصّة لأولئك الذين قد لا يستطعيون الاستعداد والتجهيز بالمثل.
وهنا، أشدّد عليك يا عزيزي القارئ، بأن تستعد وتصنع لنفسك أجواءك الخاصّة التي تسعدك أنت وحدك، وتشعرك بالرضا أنت وحدك…اجعل البساطة عنوانك، وتذكّر دومًا المغزى الأعمق من شهر رمضان المبارك.
إنّه شهر عبادة وتواصل وتقرّب إلى الله، ولم يكن، ولن يكون في يوم من الأيام شهر تفاخر ومغالاة، بل على العكس تمامًا، هو شهر البساطة والتواضع والزهد.
إليك بعض الأفكار لتحقيق ذلك:
جهّز إفطارًا بسيطًا
ليس عليك إعداد أصناف متنوعة في كلّ يوم، وليس من الضروري أن تقضي يومك كاملاً في المطبخ فقط لتكون طاولة إفطارك أشبه بالبوفيه المفتوح في أحد الفنادق الفاخرة.
ركّز بدلاً من ذلك على إعداد وجبات مغذيّة، خفيفة على المعدة، سهلة الإعداد…على الأقل في الأيام التي تكون مشغولاً فيها بالدوام المكتبي أو الدراسة. وخصّص يومًا في كلّ أسبوع لإعداد وجبات أكثر تكلّفًا.
رتّب منزلك
لا تقلّل أبدًا من أهمية البيئة المرتبة والنظيفة على توازنك العاطفي. احرص على ترتيب منزلك قبل قدوم الشهر أو خلال الأيام الأولى، وخصّص غرفة أو زاوية للصلاة والتعبّد كي تشعر بالراحة والاطمئنان.
تعرّف على المزيد من الأنشطة الرمضانية الممتعة التي يمكنك القيام بها مع العائلة.
قلّل فترات تصفّحك لمنصات السوشيال ميديا
من الجميل بالطبع أن تشارك لحظاتك الرمضانية مع الأصدقاء والعائلة على السوشيال ميديا، لكن قضاء الكثير من الوقت في تصفّح مقاطع الفيديو ومنشورات الغير قد يؤثر على إنتاجيتك، ويسلب وقتك الثمين الذي يمكن أن تقضيه في أنشطة أكثر فائدة.
قلّل فترات استخدامك للهاتف، وركّز على رحلتك الخاصّة خلال الشهر الفضيل.
6- احتفل بانتصاراتك الصغيرة
مهما كان التقدّم الذي تحرزه، احتفل به، فهو نجاح وانتصار بالفعل. هل استطعت الاستيقاظ باكرًا اليوم؟ أبكر من المعتاد؟! هنيئًا لك، فهذا انتصار لك.
هل أديّت عملك جيدًا اليوم؟ احتفل بذلك، فهذا انتصار…
هل صليّت في الوقت؟ هذا انتصار آخر يستحقّ الاحتفال!
أيَّا كان النجاح الذي تحققه، احتفل به، ولا تقلّل منه اطلاقًا. كافئ نفسك عند القيام بأمر كنت تستصعبه، أو عند وضع تحدٍّ معيّن والالتزام به. فذلك سيحفزّك على الاستمرار ويبقيك متحمسًا طوال الشهر.
عِش جوهر رمضان الحقيقي

شهر رمضان المبارك في جوهره، هو وقت مقدّس للتقرّب إلى الله، وكذلك للتواصل من جديد مع أعماقك، لتنقية روحك، وتجديد عزيمتك. إنّه وقت ساحر من السنة يساعدك على التمهل قليلاً والتركيز على الأمور الروحية التي غالبًا ما نتغاضى عنها في خضمّ متطلّبات الحياة اليوم.
تذكّر دومًا أنّ الغاية من هذا الشهر الكريم لم تكن في يوم الأيام حول تحقيق أكبر قدر ممكن من الأعمال الصالحة، وإنما الغاية هي الإحساس العميق ببركات الشهر، وتزكية النفس والتقرّب إلى الله بأعمال قد تبدو لنا نحن البشر بسيطة، لكنها عند الخالق عظيمة أجرها كبير.
استغلّ إذن هذا الشهر الفضيل لتجديد إيمانك، وكذلك تعزيز صحّتك النفسية والجسدية. امنح الأولوية لراحتك النفسية، واستبدل عاداتك القديمة بأخرى جديدة أكثر إيجابية، واجعل من رمضان فرصة لك للالتزام بهذه العادات حتى بعد انتهائه.
كلمة أخيرة
أحضر ورقة وقلمًا، وابدأ بإعداد خطّتك الرمضانية الخاصّة بك أنت وحدك. حدّد ظروفك، التزاماتك، أهدافك، وارسم رحلتك الخاصّة، وامضِ فيها قدمًا، واستشعر الراحة والطمأنينة الحقيقية كما تريدها أنت وكما تعرّفها أنت لنفسك، لا كما يريدك المجتمع أن تشعر بها أو تحسّها… بخطوات بسيطة، استمرّ يومًا بعد يوم، وكن واثقًا من أنّ الله يراك ويسمعك ويعلم كلّ محاولاتك…وهذا يكفي.
أتمنى لك شهرًا مباركًا مليئًا بالطمأنينة والسكينة، والكثير من النجاحات الشخصية!
No Comment! Be the first one.