بعد سنوات من العمل في شركات مختلفة، والالتزام بدوام في المكتب من التاسعة إلى الخامسة، أتيحت لي الفرصة أخيرًا لأن أجرّب العمل عن بعد. إنّها فرصة لطالما انتظرتها، وقد كنت متشوّقة لها كثيرًا… أخيرًا ستتاح لي الفرصة لأن أحضّر فطوري وقهوتي الصباحية بهدوء ورويّة قبل أن تبدأ ساعات الدوام، سأتمّكن من العمل وأنا أرتدي بيجامتي المريحة، وفي بعض الأيام، سأخرج للعمل في كافيه أو حديقة أو مكتبة أو غيرها… ببساطة سأعمل من أيّ مكان، وسأزيد من إنتاجيتي، لأنني لن أضيّع الوقت بعد الآن في الطريق من وإلى المكتب…
الأروع من ذلك كلّه؟! سأتمكّن من توفير وقت المواصلات والتنقلات، واستغلاله في العمل على مشاريعي الخاصّة وهواياتي التي أهملتها بسبب ضغوط العمل المكتبي… أخيرًا سأدخل عالم العمل عن بعد الرائع!!
حسنًا… لقد مرّت سنة تقريبًا على بدئي بالعمل عن بعد، وأصارحكم القول… لم تكن الأمور كما خطّطتُ لها تمامًا!
أجل، إنه أمر مريح للغاية، مريح لدرجة جعلت منّي إنسانًا كسولاً!… يُخجلني القول، أنّي وبدلاً من الاستيقاظ قبل ساعة أو أكثر من موعد بدء الدوام، بتُّ انام مزيدًا من الوقت، وأستيقظُ قبل 10 دقائق أو أقل من الموعد… بالكاد أستطيع تحضير قهوتي بسرعة، وأحيانًا أؤجلها إلى ما بعد الانتهاء من الاجتماعات الصباحية…
أنتهي من عملي مساءً، ونظرًا لأني في المنزل، فقد أعمل لساعة إضافية أو أكثر، أحيانًا قد أنسى نفسي وأتفاجأ بأن الليل قد حلّ وأنا لا أزال جالسة إلى حاسوبي…
وربّما تتساءلون عن هواياتي وخطّة إعادة إحيائها… في الواقع، لقد أحييتُ جزءًا بسيطًا جدًّا منها، وفي كثير من الأحيان، لم أكن أجد لديّ الرغبة للقيام بأيّ شيء بعد انتهاء العمل سوى الاستلقاء على سريري والتفكير في اللاشيء!
وهنا بدأت ألاحظ وأعي أني ربّما قد أكون عرضة للإصابة بالإرهاق الوظيفي للعمل عن بعد… نعم هو ذاته الاحتراق الوظيفي الذي يُصاب به الموظفون في المكاتب بسبب الضغط الشديد والعمل المتواصل وبيئة العمل السامّة أحيانًا، لكن الاحتراق الوظيفي للعاملين عن بعد مختلف بعض الشيء من حيثُ الأسباب والأعراض.
لحسن الحظّ، فقد تداركت الأمر سريعًا (أو هذا ما أرجو أني أفعله الآن!)، وبدأت بتطوير بعض الاستراتيجيات الخاصّة لأحمي نفسي من الانطفاء والإصابة بالإرهاق الوظيفي، وهو ما أرغب مشاركتكم إيّاه اليوم في هذا المقال.
فإن كنت يا عزيزي القارئ تعاني من الانطفاء والاحتراق الوظيفي، أو أنّك على وشك الانتقال إلى العمل من المنزل وترغب في تهيئة نفسك جيّدًا قبل اتخاذ هذه الخطوة، فأنت في المكان المناسب، لأنك فيما يلي، ستتعرّف على أهمّ أعراض الاحتراق الوظيفي، وطرق التغلّب عليه والوقاية منه.
ما الذي ستشعر به إن كنت محترقًا وظيفيًا؟
بداية، أنا لستُ طبيبة ولا خبيرة نفسية، ولكني أؤكد لك أنّي قد عشت الاحتراق الوظيفي في وظائف سابقة. قد تختلف الأحاسيس والمشاعر من شخصٍ لآخر، ولكن الشعور العام واحد.
عندما تكون محترقًا وظيفيًا، ستُحسّ بأنّ الوظيفة قد أصبحت عبئًا كبيرًا عليك… وستسبّب لك أبسط المهام في العمل ضغطًا كبيرًا يصل إلى حدّ الألم.
ومع نهاية النهار ستجد نفسك خائر القوى غير قادر على القيام بأيّ نشاط إضافي من شأنه أن يخفّف عنه أو يُحسّن نفسيتك ويُلهيك عن ضغوطات العمل.
ليس هذا وحسب، فبالإضافة إلى ما سبق، ستعاني أعراضًا أخرى مثل الهيجان العاطفي والأرق والخمول والإحساس بفقدان الشغف والقلق وصولاً إلى الاكتئاب المرضي!
لذا، إن كنت تتلقى ملاحظات من زملائك في العمل بأنّك قد أصبحت حسّاسًا أو عاطفيًا بشكل مبالغ فيه، أو لاحظت استمرار تراجع إنتاجيتك وقدرتك على التركيز، فربّما أنت تعاني حقًا من الاحتراق الوظيفي.
وهذا أمرٌ محتمل جدًّا، خاصّة في يومنا هذا حيثُ تزداد وتيرة التغيّر في الشركات حول العالم، ونجد أرباب العمل في سعي دائم لتحقيق المزيد، ورفع الإنتاجية ومواكبة التطوّرات دون أن يأخذوا في عين الاعتبار احتياجات وقدارت موظفيهم الطبيعية.
في الواقع وبحسب استطلاع رأي أجرته McKinsey Health سنة 2022، شارك فيه حوالي 15 ألف عامل من 15 دولة مختلفة، فإنّ نسبته 25% من الموظفين يعانون من أعراض الاحتراق الوظيفي! في حين أشارت دراسة أخرى أجرتها مؤسسة Mental Health America وFlexJobs إلى أنّ 75% من الموظفين يعانون من مشاكل نفسية مرتبطة بضغوطات العمل!
ماذا عن الاحتراق الوظيفي عند العمل عن بعد؟
قد تعتقد يا عزيزي القارئ أنّك إن اخترت العمل عن بعد، فسوف تنجو من قبضة الاحتراق الوظيفي، وتعيش حياة متوازنة كأيّ إنسان طبيعي سعيد…
يؤسفني أن أقول لك أنّ ذلك ليس صحيحًا تمامًا… نعم قد تجد نفسك بعيدًا عن دراما مكان العمل، والضغوطات المباشرة، لكنّك ستبقى عرضة للإصابة بالاحتراق الوظيفي الناجم عن العمل عن بعد، والذي قد يختلف قليلاً في أعراضه عن سابقه، لكنّه يبقى مع ذلك مؤذيًا على الصعيد النفسي والجسدي.
تتجلّى أهمّ علامات الاحتراق الوظيفي عند العمل عن بعد في شكل مشاعر ضيق وثقل نفسي تنتابك في كلّ مرّة تفتح فيها حاسوبك صباحًا للعمل.
ستحسّ بالتعب الشديد طوال اليوم، وعلى الرغم من تراكم المهام المنزلية وتلك المرتبطة بالوظيفة، ستجد نفسك غير قادر على إتمامها، وستقضي جزءًا كبيرًا من وقتك في محاول الانشغال عنها بتصفّح حسابات السوشيال ميديا.
وعلى الرغم من شعورك الدائم بالتعب، لكّنك لن تتمكّن من النوم جيدًا ليلاً، وستُصاب بالأرق نتيجة فرط التفكير في المهام التي لم تنجزها بعد والتي تنتظرك في الغد.
وفي الوقت الذي تستطيع فيه الهروب من العمل مؤقتًا حينما تكون موظفًا في شركة أو مكتب حقيقي، حيث تتناسى مشاكل العمل بمجرّد الخروج من المكتب، سيصبح ذلك أمرًا مستحيلاً عند العمل عن بعد، لأن المكتب والمنزل في مكان واحد، ممّا يزيد إحساسك بالتوتر والقلق.
وهكذا سيتراجع أداؤك في جميع مناحي حياتك المهنية والشخصية، وستبقى حبيس هذه الحلقة المغلقة من الإحباط والإرهاق ما لم تبدأ باتخاذ خطوات فعلية نحو التشافي منها.
لكن، وقبل أن ننتقل للحديث عن أهمّ طرق الوقاية والتعافي من الاحتراق الوظيفي عند العمل عن بعد، لنتعرّف أولاً عن أسباب حدوثه في المقام الأوّل.
لماذا يُصاب العاملون عن بعد بالاحتراق الوظيفي؟
يعود السبب وراء ذلك إلى أنّ هؤلاء الأشخاص هم المسؤولون الوحيدون عن جدول أعمالهم، وما لم تكن لديهم القدرة والمهارة الكافيتين على إدارة أوقاتهم، فسيقعون سريعًا ضحيّة الاحتراق الوظيفي.
إضافة إلى ذلك، فالعاملون عن بعد أكثر عرضة للتشتّت خلال يومهم ممّا يؤدي إلى قلّة الإنتاجية وتراكم المهام، الأمر الذي يجبرهم على قضاء ساعات أطول أمام حواسيبهم وبالتالي الانعزال عن العالم الخارجي.
ومع ذلك، لا أحد ينكر ما للعمل عن بعد من إيجابيات ومميزات، ففضلاً عن الحريّة وساعات العمل المرنة، وتوفير الوقت والمال، يسهم العمل من المنزل في شحذ مهارات إدارة الوقت والمهام، وتحمّل المسؤولية ووضع الأهداف، وغيرها من المهارات التي أصبحت في يومنا هذا من أهمّ متطلّبات سوق العمل وعاملاً أساسيًا من عوامل النجاح.
كيف تحمي نفسك من الاحتراق الوظيفي عن العمل عن بعد
إن كنت ممّن يعملون عن بعد، وبدأت تشعر بأنك على وشك الإصابة بالإرهاق الوظيفي، أو دخلت في أولى مراحله، فقد حان الوقت لاتخاذ خطوات جدّية من أجل الوقاية منه أو التغلّب عليه.
جمعتُ لك عزيزي القارئ بضع خطوات سهلة وبسيطة لتستعيد شغفك ونشاطك عند العمل عن بعد، يمكنك قراءتها والبدء بتطبيقها على الفور!
1- حرّك جسمك قليلاً!
هل تعلم أنّ بعضًا من أهم الكُتّاب والمؤلفين على مرّ العصور، جاءهم الإلهام لكتابة أعظم أعمالهم أثناء قيامهم بنزهات في الهواء الطلق، وانعزالهم في الطبيعة؟!
حسنًا، أنت لست مختلفًا عنهم… لقد وُلدنا محبّين للطبيعة بالفطرة، وللأشجار والنباتات والمناظر الطبيعية على اختلافها وتنوّعها أثرٌ إيجابي للغاية في الحماية من الاحتراق الوظيفي.
أينما كنت، وأيًّا كانت الطبيعة التي من حولك، احرص على الاستمتاع بها لبعض الوقت خلال يومك.
اجعل المشي في الخارج عادة لك، وروتينًا إلزاميا يتعيّن عليك القيام به… اجل أسمعك تقول، لكني أستخدم جهاز المشي في المنزل أو النادي الرياضي!
أقول لك… ذلك ليس كافيًا، لأن الغاية هنا هي استنشاق هواء جديد، والاستمتاع بالطبيعة من حولك…
يمكنك المشي في حديقة عامّة قريبة منك، أو في الشارع المحاذي لمنزلك، أو على الشاطئ الذي يبعد عنك مسافة قريبة…الخ. باختصار احرص على المشي في الهواء الطلق يوميًا.
وحتى تحقّق أكبر استفادة من هذا الوقت، أنصحك بترك هاتفك في المنزل، حتى تفصل نفسك تمامًا عن العمل وضغوطاته، من المهم أيضًا أن ترتدي ساعة تقليدية، بدل الساعة الذكية… مجدّدًا حتى تفصل ذهنك تمامًا عن كلّ شيء، وتستمتع بنزهتك كما يجب.
ليس عليك المشي وقتًا طويلاً… ساعة واحدة تكفي، وإن كانت طويلة جدًّا بالنسبة لك، يمكنك اختصارها حتى 15 دقيقة يوميًا.
2- خذ استراحات منتظمة
نعلم جميعّا أنّه وعند العمل من المكتب، فنحنُ نحظى بوقت مخصّص للاستراحة يوميًا تترواح مدّته بين النصف ساعة والساعة… لكن ولسببٍ ما عند الانتقال إلى العمل من المنزل، تختفي هذه الاستراحة وتتلاشى، وكأنّ العمل من المنزل يعني ضرورة البقاء ملتصقًا بجهاز حاسوبك لثماني ساعات متواصلة!
أفهم أنّك قد تحتاج أحيانًا إلى تركيز تامّ على مشروع معيّن، أو قد تضطرّ لحضور اجتماعات طويلة متواصلة، لكن… احرص برغم ذلك على أن تخصّص وقتًا ثابتًا للاستراحة يوميًا حتى تحمي نفسك من الإرهاق والاحتراق الوظيفي.
يمكنك خلال هذا الوقت إتمام بعض المهام في الخارج، كشراء مستلزمات البقّالة مثلاً، أو إنهاء بعض الأعمال المنزلية الخفيفة…
بالنسبة لي تختلف طبيعة استراحاتي من يوم لآخر، قد أقضيها أحيانًا في المطبخ أعدّ وجبة غداء سريعة، أو أذهب إلى السوق القريب لشراء ما ينقصني من مستلزمات، في أحيان آخرى أكافئ نفسي بتناول الغداء خارجًا في مطعم قريب، وفي الأيام التي أكون متعبة جدًّا فيها قد أكتفي بقيلولة قصيرة أستعيد بها نشاطي…
أيًّا كان ما تفضّله، لك حريّة القيام به…إنه وقتك الخاصّ ويمكنك فعل ما تشاء خلاله!
3- استمتع بإجازة من وقت لآخر
وهنا ستلاحظ فرقًا كبيرًا بين الثقافة الأمريكية والثقافة الأوروبية فيما يتعلّق بالإجازات…
أعلم أننا نعيش في الوطن العربي، ولكن دعني أخبرك أنّ معظم أنظمة العمل في الشركات تتبّع إحدى النظامين… والأغلب أنّه النظام الأمريكي، على الرغم من أنّه ليس الأفضل.
أثناء عملي في شركات تتبّع النظام الأمريكي، كان الحصول على يوم إجازة أمرًا أشبه بالمستحيل… فحتّى عندما أعاني المرض، كان الإحساس بالذنب يراودني حينما أطلب إجازتي (وهي حقّ من حقوقي الطبيعية!)، السبب وراء ذلك هو ذلك الشعور الدائم بضرورة إتمام المهامّ المتراكمة التي لا تنتهي، والتي يجب أن تُسلّم دائمًا بأسرع وقت ممكن.
لكن، وعند العمل في شركات عربية تتبّع النظام الأروبي، أصبحت الإجازة في الواقع أمرًا مقدّسًا، قد يحثّك مديرك في العمل على أخذها حتّى تستعيد نشاطك وحيويتك!
وهذا ما هو معروف عن نظام العمل في أوروبا وأمريكا… في أمريكا، سيعتذر الموظف عن تغيّبه عن العمل بسبب اضطراره لإجراء عملية جراحية عاجلة، في حين ستتلقى الردّ الأوتوماتيكي على بريد إلكتروني عاجل من موظف أوروبي لأنه في إجازة على الشاطئ!
خلاصة القول، هي أن تحرص على الاستمتاع بإجازاتك جيدًّا، وأن تأخذها دون شعور بأيّ ذنب. والإجازة هنا لا تعني بالضرورة شهرًا كاملاً تقضيه في جزر المالديف على الشاطئ وأنت تحتسي عصير جوز الهند المنعش! (أعلم أنّ ذلك سيكون رائعًا، لكن…لابدّ أن نكون واقعيين أحيانًا!)…
يمكنك أن تستمتع بإجازة لبضعة أيام تذهب خلالها في رحلة إلى مدينة قريبة، أو تقضيها في المنزل وتلتقي خلالها بعضًا من أصدقائك وأقربائك الذين لم ترهم منذ وقت طويل.
قضاء يوم في المسبح خلال الصيف، أو جولة في مدينتك أثناء الشتاء كافية أيضًا… الهدف هنا ليس البذخ وقضاء إجازة خيالية، وإنما الابتعاد عن العمل لبضعة أيام أو أسابيع والاستمتاع بوقتك لتستعيد حماسك للوظيفة.
قد يعجبك أيضًا: هل تتقن فنّ الحياة؟ 12 علامة تدلّ على أنّك لا تفعل
4- ضع لنفسك برنامج مكافآت خاصّ بك
طريقة أخرى ستُبقيك متحمّسًا على الدوام وتحميك من الاحتراق الوظيفي عن العمل عن بعد هي بمكافأة نفسك عند إتمام مهمّة معيّنة في العمل.
ضع لنفسك برنامج مكافآت خاصّ بك، وقسّمه كما يحلو لك وبما يتناسب مع طبيعة عملك. يمكنك أن تكافئ نفسك بشكل يومي، كأن تشاهد برنامج المفضّل عند إتمام عدد معيّن من المهام خلال اليوم. أو بشكل أسبوعي، كأن تتناول طبقك المفضل من المطعم الذي تحبّه عند إنهاء مهامّك للأسبوع..إلخ
قد تكون المكافأة شهرية أو سنوية أيضًا… وبالطبع كلّما ازدادت المدّة، كبر حجم المكافآة…
شخصيًا، أفضّل المزج بين المكافآت اليومية والأسبوعية والشهرية… في بداية كلّ أسبوع أكتب أهمّ الأعمال التي يجب عليّ إتمامها في عملي (وكذلك على الصعيد الشحصي)، وأحدّ مكافأة أسبوعية أقدّمها لنفسي إن أتممت جميع الأعمال مع نهاية الأسبوع.
بعد ذلك، أقسّم الأعمال الأسبوعية إلى أهداف يومية أصغر، وأكافئ نفسي يوميًا عند إتمام أعمالي… ولأنني أحب الشوكولا والقهوة، فغالبًا ما تكون مكافأتي هي كوب قهوة في أحد الكافيهات المفضّلة لدي، أو كعكة شوكولا التي أحبّها…
أمّا عند إتمام المهام الشهرية، فغالبًا ما أكافئ نفسي بنزهات مع الأصدقاء، أو شراء مقتنيات وأشياء أرغب بها…وهكذا…
هذا النظام يساعدني كثيرًا على البقاء متحفّزة دائمًا، ويمنحني على الدوام شعورًا بالإنجاز والرضا عما أقوم به في عملي.
5- حدّد ساعات العمل والتزم بها
إن كنت ترغب في حماية نفسك من الوصول إلى مرحلة الاحتراق الوظيفي خلال العمل عن بعد، فمن المهمّ للغاية أن تضع جدولك الزمني الخاصّ وتلتزم به التزامًا تامًّا.
بعض الشركات قد تحدّد لموظيفها العاملين عن بعد أوقات دوامهم، فمثلاً، قد يتعيّن عليك أن تكون متواجدًا للردّ على أيّة اتصالات أو رسائل إلكترونية خلال ساعات الدوام من التاسعة إلى الخامسة، وهذا الأمر وإن بدا فيه تقييد لك، لكنّه سيساهم في حمايتك من الاحتراق الوظيفي ويحدّد لك ساعات واضحة للعمل.
لكن، وفي شركات أخرى، قد لا يتمّ تقييدك بوقت أو ساعات عمل معيّنة، وهو أمرٌ شائع على وجه الخصوص بين العاملين المستقلّين أو الفريلانسرز، وعلى الرغم من أنّه يبدو لأول وهلة أمرًا رائعًا لما يتيحه لك من حريّة، لكنه يا صديقي سلاحٌ ذو حدّين، فإمّا أن يساعدك على تحقيق إنتاجية أعلى والاستفادة من وقتك بصورة أفضل، وإمّا أن يُدخلك في دوّامة العمل المتواصل لعشر ساعات أكثر، وقد يحوّل ليلك إلى نهار ونهارك إلى ليل ممّا يؤثر سلبًا على جميع جوانب حياتك الأخرى.
وحتّى تتجنب هذا الأمر، احرص دومًا على تحديد ساعات عمل خلال يومك، وتلتزم بها. لك حريّة اختيار عدد الساعات بما يتناسب مع طبيعة عملك وضغط المهام، ولكن تأكّد من ألاّ يتجاوز العدد 8 ساعات يوميًا.
6- حافظ على روتين النوم والاستيقاظ
وهذه من أهمّ النصائح التي تساعدك على التغلّب على الاحتراق الوظيفي والوقاية منه. أعني… إن لم تكن تحصل على قسط كافٍ من النوم، وكانت مواعيد نومك (الذي يعدّ حاجة أساسية من احتياجاتك كإنسان سليم) فوضوية وغير منتظمة، فكيف تتوقّع أن تستطيع تنظيم باقي جوانب حياتك.
صدّقني لقد مرّت عليّ أيام كنت أنام خلالها 3 ساعات فقط، ثمّ أستيقظ للعمل، وأنام في الليلة التالية ربما 5 ساعات… وهكذا إلى أن أصل نهاية الأسبوع وأنا أقرب إلى الزومبي من الإنسان!… وبدلاً من الاستمتاع بعطلة نهاية الأسبوع في القيام بأنشطة خارجية أو ممارسة هواياتي المفضّلة، أجدني أحاول تعويض ما فاتني من نوم، فأقضي أغلب النهار نائمة، ومعظم الليل أتصفّح منصّات التواصل الاجتماعي.
لم تكن تلك أفضل أيّامي، وقد أثّرت على نفسيتي كثيرًا، وكادت تدخلني في دوامة الاكتئاب وانطفاء الشغف، لكن ولحسن الحظّ تداركت الأمر، وقرّرت أخيرًا تنظيم ساعتي البيولوجية والالتزام بموعد نوم ثابت، وساعات نوم كافية.
ولأنني شخص يحبّ السهر، فقد كان روتين نومي متأخرًا بعض الشيء.. أنام في وقت متأخر، ولا أستيقظ باكرًا… نعم لقد حاولت أن أكون كائنًا صباحيًا، لكنني فشلت!
من الأفضل بالطبع أن تنام باكرًا (قبل منتصف الليل) وتستيقظ باكرًا، ولكن إن كنت مثلي، فحاول على الأقل أن تنام وتستيقظ في نفس الموعد كلّ يوم وأن تحظى بما معدّله 8-9 ساعات من النوم كلّ ليلة.
سيجعلك ذلك أكثر نشاطًا وحيوية، ويسهم في تحسين مزاجك العام، ورفع إنتاجيتك في العمل، وهذا بدوره سيمنحك شعورًا بالرضا والإنجاز، ويحميك من الاحتراق الوظيفي.
7- خصّص يومًا كل أسبوع أو أسبوعين للعمل في الخارج
لنكن صريحين، جميعنا نمتلك تلك الصورة النمطية الوردية عن العمل عن بعد!
من منّا لم يتخيّل أنّه وإن حصل على وظيفة عن بعد، فسوف يتخذ مكتبًا جديدًا كلّ يوم، وسيستكشف المقاهي والمكتبات والأماكن الهادئة من حوله، ويجعل منها مكانًا لعمله.
سيعمل يومًا من المقهى المجاور، وفي يومٍ آخر قد يذهب إلى الشاطئ مع حاسوبه، وفي يوم ثالث سيعمل من المكتبة وهكذا…
وبقدر ما يبدو هذا رائعًا لكنّه ليس واقعيًا بالنسبة للبعض… في النهاية، العمل من المقاهي والأماكن الخارجية له سلبياته أيضًا من إضاعة للوقت في التنقلات، وللمال لشراء المشروبات والطعام…الخ
لكن… ما الضير في تجربة ذلك من حين لآخر؟!
قد يصبح روتين العمل عن بعد قاتلاً، وربما يشعرك العمل من المنزل لفترات طويلة بالخمول والإحباط والاكتئاب، لذا يتعيّن عليك أحيانًا كسر هذا الروتين وتجربة شيء جديد.
خصّص يومًا واحدًا كلّ أسبوع أو أسبوعين، واختر مكانًا جديد للعمل فيه، مقهى، مطعم، حديقة… شاطئ…الخ. ستتفاجأ من تأثير هذا التغيير البسيط على نفسيتك وإنتاجيتك.
8- ابقَ على تواصل مع الآخرين
وهنا سأوجّه حديثي على وجه الخصوص إلى الانطوائيين، أمّا أصدقائي من أصحاب الشخصية الاجتماعية، فأنا واثقة من أنّكم قادرون على الالتزام بهذا الأمر، لأن طبيعتكم المنفتحة، وسهولة التواصل معكم ستعمل كدرع يحميكم من الانعزال، فهنيئًا لكم!
عندما تدخل عالم العمل عن بعد، سيصبح الانعزال عن الآخرين أكثر سهولة، خاصّة إن كنت شخصًا انطوائيًا بطبيعتك.
لا أعني هنا أنّ الانطوائية مرضٌ أو أمر سيئ، بل على العكس، أنا من أكثر الداعمين لفكرة أن تحبّ نفسك كشخص انطوائي، ولكن ما أريد قوله، هو أنّك إن كنت انطوائيًا، فقد تجد من الصعب أن تبني علاقات جديدة مع الآخرين، ممّا يجعلك أكثر انعزالاً وانفصالاً عن العالم الخارجي.
وفي الوقت الذي كان فيه العمل من المكتب طريقة لك للتواصل والحفاظ على علاقات اجتماعية مع زملاء العمل، سيقتل العمل عن بعد هذا النوع من العلاقات، وربّما يتسبّب في إصابتك بالاكتئاب.
كن واعيًا لهذا الأمر، واحرص على أن تتواصل مع الآخرين، وتحافظ على دائرتك الاجتماعية، حتى وإن كانت صغيرة. إن كنت تعيش مع عائلتك أو شريك حياتك، فتأكّد من قضاء وقت كافٍ معهم بعد انتهاء ساعات الدوام، حيث يمكنكم القيام بأنشطة متنوعة لتعزيز العلاقات، كالمشي في الخارج، أو إعداد وجبة الطعام معًا، أو مشاهدة فيلم او غيرها…
أمّا إن كنت تعيش وحدك، فاحرص على الخروج من المنزل للقاء الأصدقاء والأقارب، أو حتى للتعرّف على أُناس جدد…
أعلم… إنه أمرٌ في غاية الصعوبة، ولكنّه يبقى مع ذلك ضروريًا، التحق بنوادٍ تحبّها سواءً كانت رياضية أو ثقافية، أو اذهب في رحلات جماعية منظّمة تساعدك على التواصل مع الغير، ستجدُ حتمًا أشخاصًا يشبهونك في الاهتمامات وطريقة التفكير، ومن يدري؟ فربما تلتقي بصديق العمر!
9- خصّص مكانًا محدّدًا للعمل في منزلك
قد يبدو لك تحويل كامل منزلك إلى مكان للعمل أمرًا رائعًا، أعني يمكنك الأكل والعمل والنوم على ذات الأريكة… وهي الأريكة نفسها التي تستمتع بمشاهدة أفلامك المفضلة وأنت جالس إليها.
لكن سرعان ما ستتحوّل هذه المتعة إلى أحد أسوأ كوابيسك، لأن عقلك الباطن لن يصبح قادرًا على التمييز بين وقت العمل ووقت الراحة. ستجدُ نفسك فجأة منشغلاً بمشاهدة التلفاز أثناء ساعات العمل، أو قد تواجه صعوبة في البقاء متيقّظًا لأنه بالنسبة لعقلك، هذا المكان مخصّص للنوم وليس العمل.
وبالمثل، قد تعاني الأرق، وتجد نفسك منشغلاً بالتفكير في عملك وأنت نائم على سريرك لأنّ عقلك قد اعتاد على كون السرير مكتبًا للعمل.
شيئًا فشيئًا ستتلاشى الحدود ما بين العمل والحياة الشخصية، ستتراجع إنتاجيتك، وتتداخل مهامّ الوظيفة مع الواجبات والالتزامات المنزلية، ستزداد الفوضى في منزلك وفي عقلك أيضًا… وتقودك في النهاية إلى الاحتراق الوظيفي.
جنّب نفسك الوقوع في هذه الدوّامة، وخصّص من البداية مكانًا واضحًا للعمل. إن كنت تملك مساحة كافية، فحوّل إحدى غرف المنزل إلى مكتبك الخاصّ أو يمكنك ببساطة أن تحوّل إحدى زوايا غرفتك إلى مكان للعمل من خلال اقتناء طاولة مكتب وتوفير إضاءة جيدة.
بهذه الطريقة ستمنح عقلك القدرة على التمييز بين وقت العمل والراحة، ممّا يساعدك على التركيز بصورة أفضل، ويساعدك على أن تفصل حياتك الشخصية عن الحياة المهنية، حتى وإن كنت تعمل من المنزل.
10- طوّر شبكة علاقاتك المهنية
لا تسمح للعمل عن بعد بأن يحرمك من ميزة توسيع دائرة علاقاتك المهنية. صحيح أنّك ربّما لن تحضر عشاءات العمل، والدورات والندوات والمؤتمرات الوظيفية بنفس القدر كما كان الحال عندما كنت في وظيفة مكتبية، لكن لا يزال بإمكانك المشاركة في مثل هذه الفعاليات، والتعرّف على أناس جدد في مجال وظيفتك.
يُعدّ LinkedIn واحدًا من أهمّ المنصّات الوظيفية التي تمنحك ميزة التشبيك المهني وبناء العلاقات مع الأفراد وشركاء العمل المحتملين مستقبلاً.
احرص على بناء ملفك الشخصي على LinkedIn، ووضّح الخدمات التي تقدّمها للعملاء المهتمّين الذين قد يرغبون في العمل معك. شارك بعضًا من خبراتك في شكل منشورات مفيدة، وتفاعل مع محتوى الآخرين.
من المهمّ أيضًا أن تشارك من حين لآخر في دورات وندوات أو مؤتمرات في مجال عملك للتعرّف على أهمّ التطوّرات في المجال. يمكنك المشاركة في فعاليات وجاهية، أو الاكتفاء بحضور الفعاليات أونلاين، في كلتا الحالتين، سيساعدك ذلك على توسيع دائرة علاقاتك ومواكبة كلّ ما هو جديد في مجال اختصاصك.
اقرأ المزيد: 14 طريقة للتخلص من الشعور بالوحدة
ما أودّ قوله في الختام هو أنّ الاحتراق الوظيفي الناجم عن العمل عن بعد حقيقي تمامًا، وهناك الكثير ممّن يعانون منه وكثيرون آخرون ربّما ليسوا واعين بأنّ ما يشعرون به من ملل وانخفاض في الطاقة والإنتاجية هو في الواقع نتيجة الإرهاق الوظيفي.
أدعوك يا عزيزي القارئ إذن أن تكون واعيًا بما تحسّه من مشاعر سلبية عند العمل عن بعد. هل حقًا ضغط العمل كبير؟ هل حقًا أنت تعمل في بيئة سامّة؟ أم هل السبب الحقيقي هو انعزالك في المنزل، وغياب تنظيم وروتين واضح لحياتك؟!
ربّما حان الوقت لتفكّر قليلاً في الأمر قبل أن تتخذ خطوة الاستقالة وتضييع فرصة قد تكون حقًا مميزة!
أخيرًا، تذكّر دومًا أنّ هناك حياة خارج إطار عملك، وما وراء جهاز حاسوبك… هناك حياة كاملة خارج جدران منزلك تستحقّ أن تختبرها وتعيشها. امنح نفسك بعض الوقت للراحة، اترك العمل وراءك ليوم أو بضعة أيام… واستمتع بالعالم من حولك لتستعيد نشاط وحيويتك وشغفك للوظيفة!
Very interesting topic, thanks for putting up.Raise range