هل سبق أن مرّت عليك أوقات كان الغضب فيها هو كلّ ما تشعر به؟ بل والأدهى والأمرّ، أنه غضب لا مبرر لا تعرف له سببًا واضحًا حقيقيًا…
المحتويات
- لماذا تشعر بالغضب؟
- الغضب وسيلة لحماية مشاعرك
- الغضب كوسيلة لبناء الروابط والعلاقات العاطفية
- الغضب بديلاً عن مشاعر أخرى
- الغضب كأداة لفرض السيطرة
- ومع الفهم، تأتي المسؤولية!
- 1- الخطوة الأولى: تعلّم إدارة غضبك
- 2- الخطوة الثانية: إفهم مشاعرك
- 3- الخطوة الثالثة: أعِد السيناريو في رأسك، هذه المرة بصورة إيجابية
- 4- الخطوة الرابعة: تمرّن على التعامل مع الغضب بإيجابية
- كلمة أخيرة
أنت فقط تشعر بأنّك حانق على كلّ شيء ومن كلّ شيء، وأيّ كلمة بسيطة من أيّ شخصٍ ولو على سبيل المزاح توقد في داخلك بركانًا من المشاعر الغاضبة، وما إن تهدأ ثورة غضبك حتى تراجع نفسك وتدرك أنّ ردّة فعلك كانت مبالغًا فيها، فتعد نفسك بأنّك ستكون أكثر هدوءًا من الآن فصاعدًا لتجد نفسك بعد وقت قصير وقد انفجرت مجدّدًا لأن باب غرفتك لم ينفتح بسهولة! أو لأن صوت تنفّس أحدهم كان مرتفعًا!!
ومع مرور الوقت، واستمرار هذه الحال، ستجد نفسك مرهقًا على الدوام، مستنزفًا كما لو أنّك بذلت مجهودًا عضليًا هائلاً، وهذا ليس بالأمر الغريب، فمن المعروف أنّ الغضب يؤدي إلى تحفيز الغدد الكظرية على إفراز هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول، ممّا يؤدي إلى ارتفاع معدّل ضربات القلب، وضغط الدم والتنفس، وتدفّق كميّات أكبر من الدم نحو العضلات…
واستمرار إفراز هذه الهرمونات لفترات طويلة سيتسبّب لك بالأرق، وضعف الذاكرة وفقدان التركيز، ممّا يعني ساعات نوم أقل، ومجهودًا أكبر للقيام بأنشطتك اليومية الطبيعية وبالتالي الوصول إلى مرحلة الإرهاق الجسدي والنفسي.
لكن هذا ليس ما أودّ أن أحدّثك عنه اليوم… فشبكة الإنترنت تعجّ بالمحتوى حول أعراض الغضب وآثاره وطرق علاجه، أمّا أنا… فأريد أن أسير معك خطوة بخطوة لنتعرّف على جذور هذا الشعور وحقائقه الخفية…
في هذا المقال، أودّ أن نكتشف معًا ما الذي يختفي وراء شعورك الدائم بالغضب؟ ونسبر أغوار الأحاسيس والمشاعر الأخرى التي يحاول الغضب إخبارك بها…
بمعنى آخر…اليوم، سنتعرّف على الجبل الجليدي المخفي في الأعماق لمشاعر الغضب!
اقرأ المزيد: هل تتقن فن الحياة؟ 12 علامة تدل على أنك لا تفعل
لماذا تشعر بالغضب؟
الخطوة الأولى لفهم مشاعر الغضب، هي أن تنظر إليه كما لو أنّه جبل جليدي. الجزء الأكبر من الجبل الجليدي مخفي في الأعماق تحت سطح الماء، وكذلك الغضب. ما تراه أنت ويراه الآخرون، هو بركان متفجّر من مشاعر الحنق والانزعاج، وذلك ليس سوى الجزء السطحي منه، تحته… هنالك الكثير من المشاعر الأخرى التي يحاول غضبك حمايتها!
الغضب وسيلة لحماية مشاعرك
بحسب عالم النفس الأمريكي بول إيكمان Paule Ekman، يعتبر الخوف أحد المشاعر الستة الأساسية التي عرّفها في كتابه “أطلس المشاعر” والتي تضمّ: الاشمئزاز، الخوف، السعادة، الحزن، المفاجأة والغضب. وعليه فهو شعور حقيقي مستقلّ بذاته ومن الطبيعي الإحساس به.
ومع ذلك، في بعض الأحيان، تتسبّب مشاعر أخرى في الإحساس بالغضب وتحفيزه. حيث يكون الغضب هنا وسيلة دفاعية لحماية مشاعر خفية تحته.
ولتفهم الأمر بصورة أفضل، إليك هذا المثال:
“س” من الأشخاص اعتقد ولوقت طويل أنّه يعاني من مشاكل في إدارة غضبه. في كلّ مرّة كانت زوجته تطلب منه شيئًا، كان يبادر على الفور بانتقادها ويتعالى صوته عليها.
لم يكن “س” يحبّ تصرّفاته هذه، غير أنّه كان يشعر بالعجز أمامها ولا قدرة له على تغييرها.
“هذا أنا، وهذه طبيعتي!”
هذا كان جوابه في كلّ مرّة يتمّ التطرّق فيها للحديث عن مشاكل غضبه.
لكن، ومع مرور الوقت، ومع محاولاته المستمر لفهم أسباب غضبه الحقيقية، توصّل “س” إلى استنتاج مهمّ وعميق للغاية….
لقد لاحظ أنّه وفي كلّ مرّة انفجر فيها غاضبًا، كانت الأفكار التي تسبق انفجاره، هي:
“أنا لستُ جيّدًا بما يكفي لأقدّم إلى زوجتي ما تريده…” أو “أنا لا أستطيع تحقيق هذا الطلب، لأن ظروفي الحالية لا تسمح بذلك…” أو “عليّ أن أعمل بجدّ اكبر لألبي طلباتها….”.
في النهاية، تبيّن أن الزوج لم يكن يعاني في الواقع من مشاكل في إدارة غضبه، وإنّما كان يشعر بأنّ زوجته تطلب منه أشياء تفوق قدرته على تحقيقها.
ولهذا السبب، كانت محاولاته لكبت غضبه، أو الاستعانة باستراتيجيات إدارة الغضب بلا أيّ جدوى… لأنّها لم تكن في الواقع تعالج السبب الأعمق، ألا وهو مشاعر الإرهاق وبأنه ليس جيّدًا بما يكفي لإرضاء زوجته.
كان غضب الزوج في هذه الحالة نتيجة لخيبه أمله من نفسه، ووسيلة لحمايته من الشعور العميق بالعار.
عندما نفهم مشاعر الغضب على أنّها مشاعر حقيقية وطبيعية، وحينما ندرك أنّ غضبنا ربّما يحاول حماية مشاعر أخرى تحته، سيمنحنا ذلك قوّة داخلية عظيمة. وسيساعدنا على إجراء حوارات أعمق وأفضل مع شركاء حياتنا، وآبائنا وأطفالنا… حوارات ستسهم في تحقيق فهم أعمق للطرف الآخر، وبالتالي بناء علاقات أقوى وأكثر استقرارًا.
اقرأ أيضًا: لماذا أشعر بأني لا أستحق الحب؟ وكيف أتعامل مع الأمر؟
الغضب كوسيلة لبناء الروابط والعلاقات العاطفية
قد يبدو ذلك غريبًا ولكنه حقيقي تمامًا…
العلاقات بشكل عام مبنية على المشاعر، وتعزيز التواصل الإيجابي مع الآخرين يسهم في بناء روابط عاطفية (ليس بالضرورة رومانسية) عميقة.
لكن يحدثُ أحيانًا أن يشعر أحد الطرفين في علاقة معيّنة بأنه بعيد عن الطرف الآخر (أب، إبن، زوج، صديق…الخ)، ويجد نفسه عاجزًا عن إصلاح هذا الشرخ أو الانقطاع في العلاقة بشكل صحّي وسليم، ممّا يؤدّي إلى اللجوء إلى شكل أكثر فوضوية… ألا وهو مشاعر الغضب.
في هذه الحالة، كان الغضب نتيجة لشعور أحد الطرفين في العلاقة بحاجته لمزيد من القرب ولبناء رابطة عاطفية مع الآخر.
فكّر في أمّ وابنتها المراهقة، واللتان تحبّان بعضهما حبًّا عميقًا، ولكن التواصل بينهما قليل جدًا. تمرّ أيامهما بمحادثات مختصرة للغاية. ولكن يحدث في أحد الأيام أن تنتقد الأم ابنتها في أمرٍ ما، وتنفجر الابنة غاضبة، لتمرّ الدقائق التالية وهما تتشاجران وتتبادلان الانتقادات الغاضبة.
ما لا تعرفه أنّه في هذه الدقائق القليلة، علاقة الاثنيتن العاطفية أقوى بكثير ممّا كانت عليه سابقًا، وذلك لأنها مشحونة بمشاعر وعواطف لم تكن موجودة أثناء تعاملاتهما الروتينية الجامدة في الأيام العادية.
ونتيجة لهذا الشجار، ستشعر كلّ من الأم والابنة أنّهما أكثر ارتباطًا واتصالاً مع بعضهما البعض على المستوى العاطفي. حتى وإن كانت المشاعر المسيطرة الآن هي مشاعر غضب وانزعاج.
بالطبع، كان من الأفضل أن لهما أن تعبّرا عن مشاعر الحب والاهتمام بطرق أخرى غير الغضب، ولكن… ولأنهما لم تجدا طريقة أخرى للتواصل بشكل صحي، لجأت الاثنتان (ودون وعي منهما) إلى الغضب كوسيلة لإعادة بناء العلاقة والتواصل بينهما.
قس على هذا المثال، العديد من الأمثلة الأخرى… كثيرون هم الذين يلجأوون إلى الغضب كوسيلة لبناء روابط عاطفية مع الآخرين. بل قد يكون الغضب في بعض الأحيان هو الطريقة الوحيدة للتواصل بين زوجين أو أخوين…أو أبناء مع آبائهم…الخ.
لذا لا تستغرب في المرة القادمة حينما تسمع أبًا يصبّ جام غضبه على ابنه لسبب أو آخر، على الرغم من إصراره على أنّه يحبّه ويعزّه.
إنه محقّ في غالب الأحيان، ولكنّه على الأرجح، يشعر بالوحدة والحاجة إلى التواصل مع ابنه، ونظرًا لأن الإبن منشغل ربّما على الدوام، ولا يجد متعة في الحديث وقضاء الوقت مع ابنه المسنّ، فالأب عاجز عن التعبير عن مشاعره هذه بطرق أفضل أكثر هدوءًا.
اعرف المزيد حول الانفصال عن العالم الخارجي وأسبابه
الغضب بديلاً عن مشاعر أخرى
عندما ينتاب أحدهم شعور يعتبره (من دون وعي) غير محتمل أو غير مقبول، ينشأ الغضب ويطفو على السطح كبديل لتلك المشاعر.
تعود جذور “المشاعر غير المحتملة” أو “غير المقبولة” في كثير من الأحيان إلى نظرة المجتمعات والثقافات إليها. والرسائل، الخفية أو العلنية المرتبطة بها.
على سبيل المثال، من المعروف في ثقافاتنا العربية أن بكاء الرجل عار، وأنّ الرجال يجب ألاّ يعبّروا عن مشاعرهم أو يظهروا حزنهم. بل يجب ألاّ يظهروا ضعفهم إطلاقًا.
وهكذا، عندما يجد الرجل نفسه حزينًا، أو في حالة من الضعف، سيفكّر تلقائيًا أنّ هذه المشاعر غير صحيحة وليس من الطبيعي الإحساس بها، ويكبتها في أعماقه دون أن يعلم ما يجدر به أن يفعل بها.
وهنا، يأتي الغضب في صورة البطل المغوار الذي سينقذنا من هذه المشاعر غير المريحة. فيستبدل الحزن والضعف والدموع، ويظهر في شكل ثورات بركانية من الصراخ والشتم وربّما التكسير والتدمير.
الغضب كأداة لفرض السيطرة
عندما تمتلك سيطرة كاملة على حياتك ومخرجاتها، ستشعر غالبًا بالراحة والقوّة والأمان. ولكن… في اللحظة التي تحسّ فيها بأنّ هنالك عوامل خارجية تسيطر على مسار حياتك (وهو امرٌ طبيعي تمامًا)، ستبدأ مشاعر الخوف والتوتر والضعف بالتسلّل إلى أعماقك. وهنا، ستسعى (بوعي أو من دون وعي) إلى إعادة ميزان القوى إلى ما كان عليه…بمعنى آخر، السيطرة من جديد على أمور حياتك.
الغضب، هو في هذه الحالة الوسيلة التي تعيد الأمور إلى مجاريها.
تخيّل معي أنّك قد تواصلت مع مزوّد خدمة الإنترنت في منزلك للاعتراض على غرامة معيّنة فُرضت عليك لسبب أو لآخر. وبعد المرور بالعديد من موظفي خدمة العملاء وصولاً إلى مدير القسم مثلا، يتمّ إخبارك بأنّ الغرامة حقيقية وأسبابها منطقية ولن تقوم الشركة بتقديم أيّ تعويض.
ستغضب، وتصرخ وتشتم، وتعبّر عن عدم رضاك عن هذا الإجراء المتخذ بحقّك…
لماذا هذا الشعور؟
لأنك بحاجة إلى الإنترنت، وقد قمت بدفع فواتيرك، وتمّ تغريمك…أنت تشعر بأنّك غير قادر على القيام بأيّ شيء حيال هذا الأمر، وإلى حدّ ما، يبدو وكأنّ شركة الإنترنت تملك نوعًا من السيطرة على حياتك… بمعنى آخر، لم تعد بعد الآن المسؤول الكامل عمّا يحدث في حياتك!
وهكذا، لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، ولاستعادة سيطرتك الكاملة، تلجأ إلى الغضب…
“أنا العميل هنا!…سوف أنهي اشتراكي معكم، وألجأ إلى مزوّد إنترنت آخر…”
تصرخ بصوت أعلى، وتهدّد بالاستغناء عن خدمات الشركة…. أترى ما يحصل الآن؟! تشعر أنّك صاحب القرار هنا، أنّك المتحكّم في مجرى حياتك. وفي الوقت الذي لن تتغيّر فيه الأمور على الأرجح (ستدفع الغرامة المفروضة عليك في كلّ الأحوال)، لكنك تشعر بأنك أقوى وأكثر تحكّمًا وسيطرة.
لقد منحك الغضب وهمًا بأنّك أنت وحدك المتحكّم في كلّ مجريات حياتك، ولا يمكن لأحد أن يسيطر عليك.
قد تناقشني هنا:
“ولكن…. أنا بالفعل المتحكّم الوحيد في حياتي وقراراتي، وأنا المسيطر على كلّ مجريات أموري…”
أقول لك يا عزيزي القارئ… أنت متحكّم في ردود أفعالك على ما يجري في حياتك، ولكنك غير قادر على التحكّم في كلّ الظروف الخارجية المحيطة بك.
لا يمكنك التحكّم في تلك الرحلة التي أُلغيت بسبب ظروف جوية سيئة، وأدّت إلى فقدانك لفرصة ثمينة، لا يمكنك التحكّم في ذلك الزلزال الذي هدّم منزلك، ولا يمكنك التحكّم في نزلة البرد التي منعتك من حضور حدث مهم.
الحياة مليئة بالمفاجآت والظروف الطارئة، وكلّ ما نملكه هو أن نتأقلم معها، وأن نتحكّم في ردود أفعالنا تجاه هذه المفاجآت.
كلّما بذلت جهدًا أكبر في محاولة السيطرة على كلّ شيء من حولك ازداد شعورك بالقلق والخوف والتوتر والضعف أيضًا…
تقبّل الحياة كما هي بحلوها ومرّها، وركّز على السيطرة على مشاعرك والحفاظ عليها مستقرّة وهادئة برغم كلّ المتغيّرات، فذلك هو السبيل الحقيقي للرفاه العاطفي والسلام الداخلي.
ومع الفهم، تأتي المسؤولية!
حينما تفهم ما الذي يختفي وراء غضبك، ستقع عليك مسؤولية التعامل الصحيح مع هذه المشاعر، حتى تتمّكن من عيش حياة رائقة، وتتجنّب ثورات الغضب المدمّرة.
يمكنك تشبيه فهم مشاعر الغضب كصورة الأشعة لعالمك الخاص، وعالم الآخرين ممّن يشعرون بالغضب بشكل دائم. إنّها تخبرك بالكثير عمّا يدور في الأعماق، وفهم المشاعر الخفية وراء الغضب، ممّا يساعدك في بناء علاقات أفضل، مع نفسك ومع الآخرين.
ولكن كيف تفعل ذلك بالضبط؟ لنكن صريحين، حينما يكون الواحد منّا غاضبًا، فآخر ما يفكّر فيه هو فهم المشاعر أو محاولة التعامل معها…
دعني أقدّم لك بعض النصائح في هذا الشأن!
1- الخطوة الأولى: تعلّم إدارة غضبك
من المهمّ في البداية أن تتعلّم كيفية التحكم في غضبك. وأنا أتحدّث هنا على المستوى السطحي من المشاعر… كما سبق أن وضّحت من الصعب ان تفهم مشاعرك العميقة أو أحاسيسك أو أسبابك الحقيقية للغضب وأنت في حالة من الهيجان والعصبية.
لذا، ابدأ بتعلّم استراتيجيات إدارة الغضب والتي تشمل على سبيل المثال لا الحصر:
- الابتعاد عن الموقف الذي يسبّب لك الغضب.
- التنفس العميق لعدّة مرّات لتهدئة نبضات القلب وإطفاء ثورة الغضب.
- ممارسة التمارين الرياضية أو أي نشاط بدني إيجابي لتفريغ الطاقة بدلاً من الصراخ والتكسير والتدمير.
- تقنية الحواس الخمس لتهدئة الغضب: استنشق رائحة جميلة، انظر إلى مشهد أو منظر مريح، استمع لموسيقى تحبّها، تذوّق أو تناول طعامًا لذيذًا، إلمس شيئًا ناعمًا أو ذا ملمس مريح.
2- الخطوة الثانية: إفهم مشاعرك
بعد أن هدأت ثورة الغضب، ومضى الموقف بسلام، حان الوقت الآن لفهم أسباب ما حصل. اجلس في مكان هادئ، واستعد في رأسك السيناريو من البداية.
الأسئلة التالية قد تساعدك في فهم مشاعرك بصورة أفضل:
- ما الذي أشعل ثورة غضبك في البداية؟ ما هو الأمر/ الشخص/ الموقف الذي حفّز انفجار غضبك؟
- ما هي المشاعر الأخرى التي أحسست بها بالإضافة إلى الغضب؟ (كن صادقًا مع نفسك، وحدّد ما شعرت به دون حرج أو إحساس بالعار والذنب)، وحتى إن كان العار أو الحرج من المشاعر التي أحسست بها، فاكتبها أيضًا.
- لماذا انتابتك هذه المشاعر؟ لماذا أحسست بها؟
اكتب الإجابات عن هذه الأسئلة على ورقة، وعبّر عن أحاسيسك بإسهاب. تذكّر الهدف هنا هو أن تفهم مشاعرك… لذا إن شعرت بالحيرة تجاه شعور أو إحساس معيّن، أو تساءلت “لماذا شعرتُ هكذا؟” فكّر بعمق أكبر، وابحث عن مواقف سابقة في ماضيك ربّما حفّزت في داخلك هذه المشاعر.
3- الخطوة الثالثة: أعِد السيناريو في رأسك، هذه المرة بصورة إيجابية
بعد أن فهمت أسباب مشاعرك، وتعمّقت في معرفتها، أعد تشغيل الموقف الذي أغضبك في رأسك، ولكن تخيّل هذه المرة أنّك تعاملت معه بإيجابية، وأنّك عبّرت عن مشاعرك الحقيقية (التي كانت مختفية تحت غطاء الغضب).
مثلاً، لنفترض أنّ غضبك كان نتيجة شعورك بالحزن… تخيّل أنّك بكيت في ذلك الموقف بالتحديد بدلاً من الانفجار غاضبًا…
ما الذي كان سيحدُث عندها؟
أو مثلاً، بدلا من الغضب، تخيّل أنّك وضّحت وجهة نظرك، وشرحت مشاعرك للطرف الآخر بهدوء…
كيف كان يمكن أن تنتهي الأمور؟
اكتب ما توصّلت إليه، سواءً كان سلبيًا أو إيجابيًا. إن كان إيجابيًا فهذا رائع، وإن كانت العواقب في نظرك سلبية، ففكّر في الأمر بعقلانية أكبر:
“ما أسوأ شيء كان يمكن أن يحصل؟، وهل سيكون أكثر سوءًا من ثورة الغضب التي أحدثتها؟”
على الأغلب ستكون إجابتك عن هذا السؤال هي “لا”…
لأن الغضب كالإعصار، يخلّف وراءه الكثير من الدمار، والعمل على إعادة بناء العلاقات وإصلاح الشروخ وشفاء الجروح يستغرق جهدًا كبيرًا كما أنّه قد يترافق في بعض الأحيان مع الكثير من الندم والألم العاطفي.
فالأفضل إذن تجنّب دوّامة المشاعر هذه واللجوء إلى طريقة أكثر هدوءًا وسلامًا في التعامل مع المواقف الحياتية الصعبة.
4- الخطوة الرابعة: تمرّن على التعامل مع الغضب بإيجابية
الخطوة الأخيرة هي بالتمرّن على التعامل مع المواقف المحفّزة لمشاعر الغضب بطريقة إيجابية. فكّر في الأشياء التي يمكنك أن تفعلها وتجنّبك الوصول إلى مرحلة الانفجار.
كبت المشاعر سبب من أسباب الانفجار؟ درّب نفسك على كتابة مذكراتك أو مشاركة مشاعرك مع شخص مقرّب.
تدني تقدير الذات يجعلك تشعر بالغضب لأنك لست جيّدًا بما فيه الكفاية؟ ابدأ بالعمل على رفع ثقتك بنفسك، وفكّر على الدوام في قيمتك العالية. تعلّم أن تستمدّ قيمتك من خالقك وليس من أيّ أمور دنيوية أخرى.
تريد السيطرة على كلّ شيء في حياتك؟ حان الوقت لتكون أكثر استرخاءً في التعامل مع ظروف الحياة، وتبدأ بالتدرّب على التحكّم في ردود فعلك بدلاً من العالم الخارجي….
باختصار، ابدأ بالتعامل مع المشاعر الخفية وراء الغضب، فذلك هو السبيل الوحيد لتجنّب ثورات الغضب.
كلمة أخيرة
كثيرًا ما يُساء فهم مشاعر الغضب على أنّها مشاعر سلبية لا يجدر الإحساس بها. لكن ما يجب فهمه في الواقع هو أنّه شعور طبيعي وحقيقي تختفي وراءه الكثير من المشاعر المختلطة الأخرى.
في المرّة القادمة التي تجد فيها نفسك أمام شخصٍ غاضب، تجنّب إلقاء الأحكام على الفور، حاول على الأقل أن تفهم ما يمرّ به الطرف الآخر.
بنظري، لا يوجد هنالك شيء اسمه “غضب لا مبرّر”…. في الواقع “الغضب اللامبرر” هو أكثر أنواع الغضب التي لها مبرّر قويّ للغاية.
كن أكثر لطفًا في التعامل مع الأشخاص الغاضبين، وقدّم لهم إن استطعت أذنًا صاغية خالية من الأحكام المسبقة، ساعدهم على فهم أنفسهم بصورة أفضل، وكن سببًا في تخليصهم من الجحيم الذي يعيشونه، وخذ بيدهم للوصول إلى مكان أكثر أمانًا وهدوءًا من الناحية العاطفية.
وهذا بالطبع ينطبق على علاقتك مع نفسك أيضًا، فلا تنسَ أن تكون لطيفًا مع نفسك، وألاّ تحمّل نفسك أكثر من قدرتها.