إنّه ذلك الوقت من العام مجدّدًا…آخر شهر في السنة، والكلّ منشغل إمّا بالإعداد لاحتفالات نهاية العام، أو بالتخطيط و تحديد الأهداف للعام المقبل المقبل. وأنت…
حسنًا، يتملّكك فجأة الشعور بالحماس لقدوم عام جديد، وتقرّر إلقاء نظرة على ما حققته من إنجازات في الأشهر الماضية، تبحث عن ذلك الدفتر الذي كتبت فيه أهدافك في مثل هذا اليوم قبل 12 شهرًا، وتتذكّر حينها أنّك ما فتحت الدفتر بعدها قط!
تشعر ببعض الإحباط، لكنّك تواسي نفسك بأنك تعاني ربما من اكتئاب الشتاء وأنّ المهمّ ليس مراجعة الأهداف المكتوبة وإنّما العمل على تحقيقها بالفعل.
وهكذا تفتح الدفتر (أو ربّما ملفًا إلكترونيًا على حاسوبك الشخصي)، وتبدأ القراءة، لتتلاشى بعدها ابتسامتك تدريجيًا ويختفي معها حماسك وفرحك…
لم تحقّق أيًا من تلك الأهداف، ولا حتّى جزءًا بسيطًا منها. وتتذكّر أنّك وحين كتبتها بدت لك ممكنة التحقيق، بل وقد وضعت أهدافًا ذكية معتمدًا على استراتيجية SMART التي يعتمدها كلّ الناجحين والرياديين. فأين الخلل إذن؟
تحاول النظر إلى الجانب المشرق من الأمر، وتقرّر أنّه وبدلاً من إضاعة وقتك في التحسّر على ما مضى، فالأفضل أن تبدأ بوضع أهداف جديدة للعام المقبل… أو ربّما، استبدال رقم واحد فقط في قائمة أهدافك تلك… العنوان! ليصبح “أهدافي لـ 2025” بدلاً من “أهدافي لـ 2024”.
وسرعان ما يشعرك هذا الأمر بمزيد من السوء، ويثبّط معنوياتك، لتتحوّل الأيام الأخيرة من السنة إلى كابوس يحاصرك، ويبدأ عامك الجديد بالكثير من القلق والتوتر والانطفاء غير المبرّر.
صدقّني عزيزي القارئ، لست وحدك في هذا الشعور، فقد كانت هذه حالي أنا أيضًا لعدّة سنوات، ولطالما كان التخطيط لعامي الجديد مقلقًا بالنسبة لي، بل ومحبطًا أيضًا، لأنني كنت أعيش في كلّ مرّة خيبة عدم تحقيق أهدافي، وفقدان الثقة في التزامي ومثابرتي عليها.
لكنّي اتخذت القرار بكسر اللعنة وتغيير الأمر هذه السنة! نعم، لا مزيد من الإحباطات أو القلق والتوتر بسبب تحديد ووضع الأهداف. لقد حان الوقت لي ولك يا صديقي لكي نضع أهدافًا ونحقّقها فعلاً! لمعرفة المزيد حول ذلك، تابع قراءة هذا المقال حتى النهاية!
كيف تضع أهدافًا يمكنك بالفعل تحقيقها؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ وضع وتحديد الأهداف أمرٌ أساسي لخلق حياة مُرضية ذات معنى، ومع ذلك يواجه الكثيرون صعوبة في وضع أهداف تتوافق حقًا مع رغباتهم وتحقّق لهم نجاحًا مستمرًّا. حتى تضع أهدافًا يمكنك بالفعل تحقيقها، لابدّ من المُضي أبعد من مجرّد استراتيجيات عامّة ونصائح سطحية كنصيحة الـ “SMART goals” مثلاً. عليك الغوص أعمق من ذلك، والبحث عن طرق تتوافق مع قيمك وتطلّعاتك وظروفك الخاصّة المختلفة عن الآخرين. إليك قائمة بـ 10 نصائح تساعدك على وضع أهداف فعّالة، مخصّصة وقابلة حقًا للتحقيق!
1- لماذا؟ ابدأ بالبحث عن غاية قبل الهدف
تحديد الأهداف دون التفكير في الغاية منها أمرٌ أشبه بالانطلاق في رحلة دون معرفة الوجهة النهائية. عندما تدرك الغاية من أهدافك، فأنت تجعلها متأصلة في أعماقك ووثيقة الارتباط بتطلّعاتك المستقبلية. قبل كلّ شيء ابدأ بالتفكير في قيمك ورؤيتك على المدى البعيد. وخطّط أهدافك بناءً عليها. هكذا ستُلهمك أهدافك وتصبح أكثر استدامة.
استكشف 4 أسرار أخرى للنجاح وتحقيق الأهداف.
احرص على مواءمة أهدافك مع قيمك الأساسية
تعمل قيمك الأساسية كبوصلة توجّهك نحو عيش حياة مميزّة ومُرضية لك. على سبيل المثال، إذن كان الابداع والابتكار أحد قيمك الأساسية، فأهدافك قد تتضمّن تطوير مهاراتك في مجال الرسم أو الكتابة، وإن كانت إحدى قيمك تتمحور حول الصحّة فقد تجد أنّ أهدافك تتركّز على بناء روتين صحّي ونظام غذائي سليم.
تعمّق في فهم رؤيتك على المدى البعيد
تذكّر دومًا: يجب أن تعمل أهدافك كدرجات سلّم للوصول إلى تطلّعاتك، وتحقيق رؤيتك لنفسك بعد عدّة سنوات. الأمر أشبه بوضع هدف كبير بعيد المدى، وتقسيمه إلى أهداف أصغر لضمان المثابرة على تحقيقه.
خطوات عملية لفهم غايتك والاستفادة من رؤيتك
- كي تحدّد غايتك ابدأ بالتعرّف على أهمّ القيم الإنسانية في الحياة والعمل واختر منها ما تشعر أنّه ينطبق عليك.
- بعد تحديد هذه القيم، اختصر قائمتك الخاصّة إلى 5 قيم أساسية كحدّ أقصى، وراجعها للتأكد تمامًا من أنها تعبّر عنك.
- على دفتر خاصّ، اكتب عن حياتك كما تتمنّى أن تراها في المستقبل. تخيّل أنّك تعيش حياة مثالية من جميع النواحي. كيف ستكون؟
- الآن أصبح لديك دليل إرشادي لوضع أهدافك، ألا وهو قائمة قيمك الأساسية وؤيتك الخاصّة عن حياتك المستقبلية.
تابع القراءة لتتعرّف على كيفية استخدام هذا الدليل الإرشادي!
2- استكشف درب التطوّر الشخصي الخاصّ بك
والخاصّ بك أنت وحدك! تحديد الأهداف لا يتمحور فقط حول تحقيق النتائج النهائية، ولكن أيضًا حول ما ستصبح عليه أثناء السعي إليها. وهنا لابدّ أن يكون التطوّر الشخصي هو جوهر وضع الأهداف. لذا، وفي كلّ مرة تحدّد فيها هدفًا، اسأل نفسك: كيف سيطوّر هذا الهدف شخصيتي ومهاراتي؟ وهل سيتماشى مع ذاتي الحقيقية؟
على سبيل المثال، بدلاً من أن يكون هدفك “كسب المزيد من المال”، أعد صياغته ليصبح: “تطوير مهاراتك وثقافتك المالية، لزيادة دخلك والاستمتاع بحريّة أكبر في حياتك.”
خطوات عملية لتحقيق التطوّر أثناء العمل على تحقيق أهدافك
ولنأخذ هنا “تحقيق الحريّة المالية” كأحد هذه الأهداف:
- قسّم كلّ هدف من أهدافك إلى خطوات أصغر تساعدك على النموّ والتطوير من ذاتك، كما يلي:
- إثراء معلوماتك حول الثقافة المالية.
- بناء ميزانية خاصّة بك.
- البدء بالادّخار وإعداد رصيد مالي للطوارئ.
- تنويع مصادر دخلك.
- تعلّم المزيد حول الاستثمار.
- البدء بخيارات استثمار بسيطة وتوسيعها تدريجيًا.
- ضع معاييرك الخاصّة لقياس تطوّرك ونموّك الشخصي أثناء السعي نحو أهدافك، مثلا:
- إنهاء دورة عبر الإنترنت أو قراءة كتاب حول أساسيات الادخّار.
- إعداد ميزانية أسبوعية والالتزام بها.
- إدخّار مبلغ محدّد خلال فترة معيّنة (1000 دولار خلال 5 أشهر).
- العثور على وظيفة إضافية إلى جانب عملك الأساسي.
- إنهاء دورة أو قراءة كتاب، أو الحصول على استشارة حول خيارات الاستثمار المتاحة لك.
- البدء باستثمار جزء من المبلغ الذي ادخرّته في مشروع صغير.
3- حرّر نفسك من فخّ المثالية
لا شيء يقتل الأهداف أكثر من السعي وراء سراب المثالية. فالبحث عن الكمال غالبًا ما يقف عائقًا أمام وضع أهداف حقيقية قابلة للتحقيق. قد يتردّد البعض حول وضع أهداف معيّنة خوفًا من الفشل أو من أن تذهب جهودهم سدًى، في حين يعتقد البعض الآخر أنّهم ليسوا جيّدين بما فيه الكفاية لاستحقاق تحقيق هذه الأهداف. ويتخلّى آخرون عن أهدافهم التي وضعوها بعد فترة قصيرة لأنّ الأمور لم تسِر معهم كما يجب، ولأن الظروف والأوقات والأشخاص والعوامل لم تكن مثالية كما هو مطلوب!
احذر من الوقوع في هذا الفخّ، وركّز على الاستمرارية والمثابرة بدلاً من الكمال عند السعي وراء أهدافك.
نصائح للتغلّب على عادات البحث عن الكمال
- لا تنظر لأخطائك على أنّها عوائق في طريقك، وإنمّا فكّر فيها كفرص للتعلّم واكتساب المزيد من الخبرة.
- من الجميل أن تكون معاييرك عالية، ولكن ابدأ أولا بمعايير أقلّ لتضمن الاستمرار، وارفع معاييرك تدريجيًا، على سبيل المثال بدلاً من أن تجعل هدفك كتابة رواية كاملة خلال شهر (معيار عالٍ لشخص بدأ الكتابة حديثًا)، أعد صياغة هدفك ليكون: كتابة 100 كلمة يوميًا طوال العام.
- احتفل بانتصاراتك ونجاحاتك الصغيرة أيًّا كانت، فهي ما سيدفعك قدمًا للأمام.
- ردّد مع نفسك دومًا: “ليس المهمّ أن يكون المنتج الأولي لمشروعي/ هدفي/ عملي…الخ، مثاليًا… المهمّ أن أكمله، ويمكنني بعدها أن أعدّل عليه وأطوّره تدريجيًا”.
4- تعلّم فنّ ترتيب الأولويات
إن كنت تسعى نحو تحقيق أهداف متعدّدة (وهي الحال مع الجميع على الأغلب)، فمن المهمّ في هذه الحالة أن تتقن فنّ ترتيب أولوياتك لتتجنّب الشعور بالإرهاق والتوتر. رتّب أهدافك حسب أهميّتها وضرورتها على المدى القصير. ضع قائمة بالأهداف المستعجلة، الأهداف التي يجب تحقيقها على المدى المتوسط وتلك التي يجب تحقيقها على المدى البعيد، واستخدمها كخريطة لتوزيع جهدك وطاقتك على الأهمّ فالمهم فالأقلّ أهمية وهكذا…
أمثلة على الأهداف قصيرة، متوسطة وبعيدة الأمد
- قصيرة الأمد: الحصول على شهادة دورة في مجال يهمكّ خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
- متوسطة الأمد: الانتقال إلى وظيفة جديدة أفضل خلال العام المقبل. (6-12 شهرًا).
- طويلة الأمد: بناء مسيرة مهنية مُرضية تتوافق مع قيمك الخاصّة، ورؤيتك لنفسك وحياتك المثالية المستقبلية. (5-10 سنوات).
كما ترى فهذه الأهداف الثلاثة تختلف في مدى استعالجها، ولكنها معًا تحقق لك الهدف النهائي بعيد الأمد. الحصول على شهادة خلال أول 3 أشهر قد يكون عاملاً حاسمًا في الحصول على وظيفة أفضل، وهذه الوظيفة بالذات قد تقودك إلى وظائف أخرى أفضل وأفضل لتصل بعد 5 سنوات إلى المكان الذي تريده لنفسك.
مصفوفة آيزنهاور لترتيب أولوياتك
تعتبر مصفوفة آيزنهاور طريقة مثالية لترتيب أولوياتك حسب أهميتها ومدى إلحاحها وضرورتها. وهي بسيطة وسهلة للغاية. ابدأ برسم جدول من 4 خانات كما هو موضّح في الصورة أدناه وقسمّه إلى:
- أهداف مهمّة ومستعجلة
- أهداف مهمّة ولكن غير مستعجلة
- أهداف مستعجلة ولكن غير مهمّة
- أهداف غير مهمّة وغير مستعجلة
الآن، قسّم أهدافك وضعها في الخانات المناسبة لها حسب تقييمك الخاصّ لوضعك، ظروفك، قيمك، رؤيتك الشخصية وكلّ العوامل السابق ذكرها، وبناء على ذلك ابدأ باتخاذ إجراءات حقيقية، كما يلي:
- ابدأ العمل فورًا على الأهداف المهمّة والمستعجلة.
- خطّط لأهدافك المهمّة غير المستعجلة.
- اطلب العون من صديق أو شخص موثوق لتحقيق الأهداف المستعجلة وغير المهمّة (مجانًا أو مقابل أجر مادّي).
- تخلّ عن الأهداف غير المهمّة وغير المستعجلة، أو احتفظ بها إلى وقت لاحق عندما تصبح أكثر أهميّة وإلحاحًا.
5- استغلّ قوّة الانتصارات الصغيرة
الأهداف الأساسية التي تضعها لنفسك قد تبدو مخيفة في البداية، وهو أمر طبيعي، لأنك حينها قد وضعت هدفًا نهائيًا تودّ الوصول إليه لتشعر بالرضا، السعادة، لتحسّن ظروفك المعيشية…الخ.
وحينما تبدأ العمل على هذا الهدف الكبير بجدّ واجتهاد وبشكل متواصل، ستجد نفسك وبعد بعض الوقت قد فقدت الشغف تدريجيًا تجاهه، وبعد أن كان الحماس يملؤك للوصول إليه، وبعد أن كنت تتخيّل نفسك وقد حققت الهدف، سيبدأ الخوف والإحباط بالتسلّل إليك، وستقلّ ثقتك في مدى قدرتك على تحقيقه، خاصّة إن تغيّر معطيات معيّنة في حياتك، كمواجهة عقبات أو ظروف صعبة…الخ.
وهنا، تظهر أهمية تقسيم أهدافك الأولية إلى أهداف أصغر، والاحتفال بانتصاراتك الصغيرة كشكل من أشكال تحفيز الذات.
قد يقول لك بعض المتخصصين وخبراء تطوير الذات أن تقسّم هدفك السنوي إلى أهداف شهرية أو أسبوعية، ولكن أقول لك أنا أن تقسّم حتى أهدافك اليومية إلى أهداف ساعيّة!
دعني أشرح لك الأمر بمثال عملي، ولنأخذ مثال “تحقيق الحريّة المالية” من جديد. هذا هو هدفك الأكبر، وقد كانت الخطوة الأولى منه هي البدء باكتساب معلومات أكثر وتثقيف نفسك حول الإدارة المالية بشكل عام.
تثقيف نفسك من خلال حضور دورة عبر الإنترنت أو قراءة كتاب حول هذا المجال، قد يكون هدفًا شهريًا مثلاً، والذي يمكن تقسيمه إلى أهداف أسبوعية، كأن تحضر ثلاث محاضرات أسبوعيًا.
الآن… وفي اليوم الذي تقرّر فيه مشاهدة محاضرة من هذه الدورة، أو قراءة عدد معيّن من الصفحات، أريدك أن تقسّم مدّة المحاضرة (أو عدد الصفحات على ساعات اليوم)… وكلّما أنهيت جزءًا خلال عدد معيّن من الساعات كافئ نفسك باستراحة، أو بنزهة قصيرة في الجوار، أو قضاء بعض الوقت مع أشخاص تحبّهم، وهكذا…
هذه الخطوات (الصغيرة جدًّا) والمترافقة مع انتصارات ومكافآت بسيطة هذي بالضبط ما سيبقيك متحفّزًا على الدوام، ويساعدك على تحقيق الأهداف بدءًا من الأصغر إلى الأكبر فالأعظم!
6- لا تهمل جانب المساءلة وابنِ لنفسك نظام دعم
لطالما تساءلت مع نفسي حول السبب الذي يجعلني دومًا ألتزم بتسليم المهام المطلوبة منّي في وظيفتي وأفشل في الالتزام بتطوير مدوّنتي هذه…
من السهل عليّ دومًا كتابة 10 مقالات أسبوعيًا لعميل تواصل معي، ولكن من الصعب جدًّا كتابة مقال شهريًا في مدوّنتي…
وكان الجواب ببساطة: المساءلة!
وكذلك المقابل المادّي بالطبع! لكن لندع هذا جانبًا في الوقت الحاضر ولنركّز على المساءلة. في وظيفتي، أو عند التعامل مع عملاء، هنالك دومًا عنصر المساءلة، سيسألني مديري عن المهامّ التي أنجزتها، وسيطالبني العميل بالمقالات العشرة مع نهاية الأسبوع، لكن… في مدوّنتي الخاصّة أنا مسؤولة نفسي، ولن يحاسبني أحد إن كتبت مقالاً كلّ شهر أو مقالاً كلّ سنة أو لم أكتب إطلاقًا!
لقد جعلني غياب المساءلة أفقد الشغف في كثير من الأحيان، وأتباطأ عن التقدّم في هدفي الذي وضعته لنفسي قبل سنتين أو أكثر… والذي لم يتحقّق حتى الآن!
لذا من المهمّ أن تبني عنصر المساءلة عند السعي لتحقيق أهدافك. يمكنك ذلك من خلال العمل مع شخص مسؤول وملتزم (ويفضّل ألاّ يكون صديقًا، لأنه حتمًا سيتساهل معك إن تراخيت!). فليكن شخصًا ذا سلطة، مدرّسك في الجامعة، مدير سابق، زميل ذو خبرة، أو حتى مدرّب شخصي متخصّص.
فليكن هذا الشخص هو مديرك الذي يشرف على تحقيق أهدافك، اعقد معه اجتماعات دورية لمناقشة تقدّمك، وتقييم أدائك من خلال معايير ملموسة وواضحة تتفقان عليها معًا.
ونعود إلى مثال الحريّة المالية، لنقل أنّك اتفقت مع مدرّب شخصي لتتبّع تقدّمك، قد يجعلك ذلك ملزمًا بإرسال ملخّص عن المحاضرات التي حضرتها أو الصفحات التي قرأتها في مجال “الثقافة المالية”، أو أن تقدّم له في إحدى المرّات خطّة عمل حول كيفية إدارة ميزانيتك في الأسابيع المقبلة…وهكذا.
7- تقبّل التغيير بروح رياضية
الحياة غير متوّقعة، وقد يحدث أن تتغيّر الظروف من حولك فتتغيّر معها أولوياتك وترتيباتك أو حتى أهدافك بأكملها. وهنا لابدّ من أن تكون حكيمًا وتتقبّل التغيير بروح رياضية.
ربّما الهدف الذي وضعته في بداية العام قد أصبح غير ذا أهمية بعد مرور بضعة أشهر نتيجة لظرف ما. وقد يتحوّل الهدف الذي وضعته في آخر القائمة إلى أهمّ أمر يتعيّن عليك القيام به، بسبب ظرف معيّن طرأ عليك.
متى يتعيّن عليّ تغيير أو تعديل أهدافي؟
- إن لم يعد الهدف يثير في نفسك الحماس والشغف بعد الآن.
- إن واجهتك ظروف خارجية جعلت هدفك أقلّ واقعية أو أقلّ ارتباطًا بقيمك الشخصية.
في مثالنا حول تحقيق الحرّية المالية، قد يصبح هدف “تنويع مصادر الدخل” أقلّ واقعية إن حصلت مثلاً على منحة لإكمال دراساتك العليا وكان هذا الأمر حلمًا بالنسبة لك. هنا سيكون من الصعب عليك التوفيق بين الدراسة ووظيفتك الحالية ومصدر دخل ثانٍ، فيتوجّب عليك حينها إعادة ترتيب أولوياتك وتأجيل تنويع مصادر الدخل إلى وقت لاحق.
ملاحظة: إن شعرت أنّ الهدف لم يعد يثير شغفك كما في البداية، ففكّر في الأمر مليًا، واسأل نفسك إن كان هذا الشعور لحظيًا مؤقتًا أم أنّه دائم لن يتغير. احرص دومًا على ربط هذا الهدف مع قيمك ورؤيتك النهائية لحياتك المستقبلية. هل ما يزال متوافقًا معها؟ إن كان جوابك بـ “نعم”، فقد يكون فقدان الحماس هذا مؤقتًا.
8- تغلّب على خوفك من الفشل
الخوف وانعدام الثقة بالنفس هما أكبر عدوّين للنجاح، لذا وأثناء سيرِك في طريق تحقيق أهدافك، عزّز ثقتك بنفسك، وقاوم مخاوفك. اكتسب عادات إيجابية جديدة لمساعدتك على الاستمرار في الأوقات الصعبة. إن كنت خائفًا من الفشل، فذكّر نفسك أنّك وإن فشلت فسوف تتعلّم من أخطائك. إن كنت خائفًا من تجربة أمور جديدة أثناء السعي لأهدافك، حدّث نفسك: لا بأس، سأخرج تدريجيًا من منطقة الراحة الخاصّة بي، وسأضع خططًا بديلة لأبقى في أمان، وهكذا…
نصائح لتعزيز روح المثابرة والتغلّب على مخاوفك
- درّب نفسك على التعاطف ومسامحة الذات، وتوقّف عن جلد الذات المبالغ فيه.
- بدلاً من الهوس بالنتائج النهائية، ركّز على الرحلة نفسها، على ما تتعلّمه خلالها، وهذا أمر سيساعدك تقسيم الأهداف على تحقيقه.
- احرص على تعزيز قدراتك الجسدية أيضًا من خلال الرياضة والمحافظة على نظام غذائي سليم. جسم سليم، عقل سليم وروح مثابرة قوية!
- ذكّر نفسك بكلّ ما مررت به سابقًا وكان يخيفك ولكنّك تقبّلته وتجاوزته الآن، سيعزّز ذلك ثقتك بقدراتك للتغلّب على المصاعب المستقبلية.
9- تخيّل النجاح وثابر على الامتنان
التخيّل أداة قويّة لخلق ارتباط عاطفي بأهدافك، والذي بدوره يعمل كوقود إضافي لدفعك قدمًا نحو تحقيق أهدافك. خصّص يوميًا بعض الوقت لتخيّل نفسك وقد حقّقت أهدافك، اغمر نفسك بمشاعر الرضا والسعادة التي يمنحك إياها تحقيق هذه الأهداف، وكن ممتنًا لكلّ ما أنجزته حتى الآن في دربك.
لا تكتفِ فقط بالتخيّل، بل امضِ خطوة أبعد من ذلك، وابدأ ببناء لوحة الرؤية أو الـ “Vision Board” الخاصّة بك. اجمع صورًا وعبارات وفيديوهات وكلّ ما يعبّر عنه هدفك، وضعها في مكان بارز يتيح لك رؤيتها في معظم الأحيان. لوحة الرؤية هذه هي أولى الخطوات التي تحوّل هدفك من مجرّد فكرة إلى شيء ملموس، فلا تستهن بها!
اقرأ أيضًا: ما لا تعرفه عن قانون الجذب ودوره في تحقيق الأهداف.
10- سخّر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لصالحك
في عالم اليوم، أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزّأ من واقعنا، وأضحى الذكاء الاصطناعي بتطوّره المخيف يشكّل كابوسًا بالنسبة للبعض، لكن الواقع مخالف تمامًا. غيّر نظرتك للأمور، وسيتغيّر العالم من حولك!
صحيح أنّ التكنولجيا قد تكون مشتّتة لنا في بعض الأحيان، وصحيح أنّ الذكاء الاصطناعي قد يقضي على الكثير من الوظائف والأنشطة البشرية، لكنّه في الوقت ذاته يدعم تطوّر أنشطة جديدة.
فكّر في التكنولوجيا كسلاح تحمله بيدك لمقاومة التحدّيات في طريقك نحو أهدافك، واجعل من الذكاء الاصطناعي رفيقك ومدرّبك الشخصي الذي يقدّم لك النصح بعقلانية بعيدًا عن الشفقة أو الخوف أو المجاملة.
أمثلة وأدوات للاستفادة من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف
- تطبيقات الإنتاجية مثل Asana، Trello: تتبّع تقدّمك اليومي، الأسبوعي والشهري نحو أهدافك.
- تطبيقات ومواقع تتبّع العادات مثل Habitica: مساعدتك لاكتساب عادات إيجابية جديدة والالتزام بها.
- أدوات جوجل المختلفة: Docs، Sheets…الخ لتدوين الأهداف وبناء خطط العمل.
- تطبيقات ومواقع الصور (العادية أو المدعّمة بالذكاء الاصطناعي) مثل Pintrest، Midjourney…الخ: بناء لوحات الرؤية وإلهامك بالأفكار الجديدة لتحقيق أهدافك.
- ChatGPT وبقية مواقع الذكاء الاصطناعي: العمل كمدرّب شخصي، اسأل هذه المواقع ما تشاء، واطلب منها خطط حياة، ونصائح، واستراتيجيات مخصصّة لك وحدك حسب ظروفك. ستغيّر حياتك حتمًا!
أثناء السعي لتحقيق أهدافك، لا تنسَ نفسك
تذكّر دومًا، يجب أن تسهم الأهداف الصحيحة في تعزيز صحّتك النفسية ورفاهك العاطفي بشكل عام بدلاً من أن تكون سببًا للتوتر، أو فقدان الشغف. لذا إن كان سعيك نحو أهدافك يجعل منك شخصًا قلقًا، عصبيًا، ومتوترًا طوال الوقت فأنت على الأرجح تمضي في الطريق الخاطئ، وحان الوقت لتراجع نفسك!
احرص دومًا على خلص توازن بين سعيك نحو النجاح والإنجاز وبين راحتك النفسية وسعادتك على الصعيد اليومي. لا تقل: سأفرح وسأكون سعيدًا عندما أحقق هدفي، بل كن سعيدًا وراضيًا في كلّ لحظة تنفقها في العمل على تحقيقه. افتخر بكونك تعمل بجدّ لتحقيق أمرٍ ذي معنى لك على المستوى الشخصي، واحتفل بكلّ خطوة تخطوها في هذا الطريق…
التزم بالنقاط الثلاث التالية لتحقيق هذا الأمر:
- خصّص وقتًا للراحة والعناية بنفسك بعيدًا عن العمل والجدّ.استرخِ فقط، سافر، اذهب في نزهة أو اجلس في غرفتك دون أن تفعل شيئًا على الإطلاق.
- تجنّب التركيز على عدّة أهداف في مجال واحد في الوقت ذاته. يمكنك السعي لتحقيق هدف وظيفي، وآخر نفسي، وثالث صحّي، لكن لا تحاول تحقيق عدّة أهداف وظيفية أو نفسية أو صحيّة في وقت واحد.
- راجع نفسك دومًا وتأكّد من أن أهدافك لا تزال متوافقة مع قيمك الأساسية، مع رؤيتك النهائية وأنها تعزّز شعورك بالرضا، الإيجابية والسعادة بدلاً من إبعادك عنها.
كلمة أخيرة
تشكّل الأهداف جزءًا أساسيًا من طبيعتنا البشرية. فلا يوجد بيننا من يعيش بلا هدف، إلاّ إن كان يعاني من اكتئاب حادّ أو مصاب بمرض نفسي يعيق قدرته على التفكير السليم.
مهما كان الهدف بسيطًا، فهو هدفك أنت، ويستحق منك الاهتمام والرعاية ليصبح واقعًا. ربّما لم تتمكّن من تحقيق أهدافك في السنوات الماضية، لكن الوقت لم يفت بعد، و”التأخر في الحياة” ليس سوى أسطورة أحدثناها كوسيلة نقيس بها تقدّمنا في الحياة.
ليس هنالك ما يسمّى قطار الحياة، فلكلّ منّا دربه الخاص… وليس هناك ما يسمّى بأهداف عامّة، فلكلّ منّا أهدافه الخاصّة التي وإن تشابهت مع أهداف الآخرين فهي تبقى ذات معنى خاصّ لصاحبها.
فلا تخف من فوات الأوان ورحيل القطار، ولا تشعر بالخجل أو الخوف من أهدافك… ابدأ اليوم بالتفكير فيها مليًا، دراستها، تدوينها ومن ثمّ الانطلاق نحو تحقيقها لعيش الحياة التي تستحقّها حقًا!
No Comment! Be the first one.